مع تواتر الأنباء حول حدوث تقدّم في جهود إيجاد حلّ سلمي للصراع اليمني، طفت إلى السطح مجدّدا قضية الجنوب حيث تطالب قوى وازنة باستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل الوحدة اليمنية المنجزة في تسعينات القرن الماضي.
وطالب عيدروس الزبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، أبرز القوى الجنوبية وأكثرها تنظيما وحضورا فعليا على الأرض، بتسوية قضية استقلال الجنوب من خلال استفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة.
ويعتبر هذا أوضح مقترح عملي يتقدّم به المجلس لتسوية مسألة الوحدة اليمنية التي باتت توصف من قبل الكثير من الأوساط السياسية والشعبية الجنوبية بـ”القسرية” وبغير الواقعية، في ظل التطورات الكبيرة التي شهدها اليمن خصوصا منذ اندلاع الأزمة الحالية قبل تسع سنوات.
ويقول مراقبون إنّ المجلس الانتقالي بما له من حضور سياسي وعسكري ومن مساهمة فعلية على مدى سنوات الصراع في مواجهة الحوثيين والتصدّي للتنظيمات الإرهابية، أصبح رقما صعبا لا يمكن تجاهله في معادلة السلام المنشود.
ويتساءل هؤلاء حول كيفية توصّل المملكة العربية السعودية إلى اتّفاق مع جماعة الحوثي وتنفيذ مقتضياته على كامل الخارطة الحالية لليمن دون توافق وتنسيق مع المجلس الفاعل على جزء مهم من تلك الخارطة.
وقال رئيس الانتقالي في حديث لصحيفة الغارديان البريطانية إنّه تمّ بالفعل تهميش المجلس في المحادثات الجارية بين السعودية والحوثيين، مؤكّدا أنّه يعلم بما “يحدث من خلال وسائل الإعلام”.
وذكر أنه تلقى دعوة مؤخرا لزيارة الرياض لكنّه أمضى يومين هناك دون أن يتمكن من لقاء المفاوضين السعوديين.
واعتبر نشطاء سياسيون جنوبيون أن هذه الدعوة الشكلية قد تكون مؤشّرا على عدم وضوح رؤية السعودية بشأن المسار السلمي الذي تقوده وتريد أن يفضي بها إلى الخروج من الملف اليمني الشائك دون أن تكون قد عالجت تفاصيل كثيرة لا يمكن إغفالها والقفز عليها.
وقال أحد النشطاء إنّ في ذلك علامة على أن الرياض لم تحسم قرارها بشأن قضية الجنوب، مؤكّدا أنّ “حلّ الدولتين” هو الأسلم والأقل كلفة للمملكة ذاتها إذا أرادت أن ترسي سلاما مستداما وتضمن الهدوء التام على حدودها.
ولفت الزبيدي إلى وجود مخاوف من أن يفضي أي اتفاق سلام إلى تسليم اليمن للحوثيين وإلى سيطرة إيران التي تقف خلفهم على ممرات الملاحة الدولية.
وأوضح أن مطالب الحوثيين بما في ذلك فتح الطرقات والموانئ ودفع رواتب الموظفين المدنيين المعينين من قبلهم تم تنفيذها جميعا.
ولوّح رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي بالورقة الاقتصادية في وجه أي اتفاق يتجاوز على حقوق الجنوب وقضيته، قائلا “الجنوب وحده هو الذي يمكنه اتخاذ القرار بشأن موارده”، مؤكّدا أنّ “إعطاء الإيرادات من الجنوب للحوثيين يقوض حقنا في تقرير المصير”.
وكان يردّ بذلك على سؤال بشأن التقارير التي تفيد بأن السعودية تقترح أن تذهب ثمانون في المئة من الإيرادات في الجنوب إلى الحوثيين، موضّحا أنّ “عائدات النفط لا تكفي حاليا لدفع رواتب الحكومة في الجنوب.. فكيف يمكن تقاسم الإيرادات مع الشمال”.
ورأى رئيس المجلس الانتقالي أن الحفاظ على حالة الهدوء الراهنة أفضل من التوصّل إلى اتفاق سيء يلبي للحوثيين مطالبهم ويمثّل استجابة لابتزازهم.
كما طالب بإرسال قوة أممية لحفظ السلام في اليمن ولمراقبة أي وقف لإطلاق النار وفتح الباب لمفاوضات تؤدي إلى تسوية دائمة.
ومثّل ما ورد على لسان الزبيدي في نظر مراقبين خطوطا عريضة لخارطة طريق تفصيلية قد يكون المجلس الانتقالي قد عكف على وضعها قبل سفر رئيسه إلى نيويورك للمشاركة في أعمال الجمعية العامّة للأمم المتّحدة.
واعتبر القيادي في المجلس الانتقالي الجنوبي أمجد يسلم صبيح أنّ مشاركة رئيس المجلس في الاجتماع الأممي لم تأتِ من فراغ “فالجميع يعرف قوة المجلس الانتقالي الجنوبي ويعرف أن هناك قضية خاصة بشعب الجنوب لا يمكن تجاهلها، والأحداث السابقة تثبت ذلك والقادم أيضا، وستكون هناك انتصارات سياسية كبيرة يحققها المجلس الانتقالي”.
ووصف مسؤولون سعوديون وحوثيون المحادثات التي أجروها في الرياض على مدى خمسة أيام بـ”الجدية والإيجابية”، معربين عن تفاؤلهم بإمكانية التوصل إلى خارطة طريق لوضع حرب اليمن على سكّة الحل، رغم عدم الخروج باتفاق واضح.
وقال وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان على منصة إكس إنه التقى الوفد الحوثي، وأكد خلال اللقاء “وقوف المملكة مع اليمن وشعبه الشقيق وحرصها على تشجيع الأطراف اليمنية للجلوس على طاولة الحوار”. وأضاف “نتطلَّع إلى أن تحقّق النقاشات الجادة أهدافها، وأن تجتمع الأطراف اليمنية على الكلمة ووحدة الصف”.
ويقول ساسة وقادة رأي جنوبيون إنّ عدم تمثيل الجنوب في المحادثات الحالية لا يمثّل نهاية المطاف لقضيتهم وإنهم يمتلكون الكثير من الأوراق للحفاظ عليها والدفع بها ضمن أي تسوية سلمية يمكن أن تحدث.
*نقلا عن العرب اللندنية