حدث ما حدث، وبغض النظر عن توصيفات: الخطأ والصواب والحق والباطل.. “غزة” اليوم محاصرة بحوالي 300.000 مقاتل، في خضم حرب غير متكافئة أمام خصم متغطرس جريح يهدد بتدمير شامل لغزة، وهولوكوست جماعي للشعب الفلسطيني في هذه المنطقة.
هذه الجريمة الإنسانية المروعة تحدث أمام أنظار وأسماع العالم الذي تقف أغلب قواه الكبرى مع الاحتلال الإسرائيلي، وتزودها بعضها بالسلاح، وتؤكد حقها في الدفاع عن نفسها، وتدين “حماس”، كما لو أن المستهدف في هذه الحرب الانتقامية هي حماس وليس الشعب الفلسطيني كله في غزة!!
في المقابل: يقف العالم العربي والإسلامي مع غزة، في سياق غير مسبوق من البلبلة والانقسام والهلامية في الرؤى والمواقف، وشعور عام بعجز شامل عن تغيير واقع يزداد سوءًا في كل مرحلة، في ظل فجوات متصاعدة من سوء التفاهم بين الشعوب والأنظمة وبالذات منذ بداية ما يسمى “الربيع العربي”.
غير أن كل ما تحتاجه “غزة” في مواجهة هذه التهديدات الوجودية المصيرية العصيبة.. هو فقط صحوة الضمير العالمي، ومبادرات دولية إنسانية عاجلة لوقف النار والدمار وحمامات الدم المتزايدة باضطراد، بجانب الغذاء والدواء والإغاثات الإنسانية الملحة..
بعبارة أخرى: “غزة” ليست بحاجة إلى جنود وأسلحة.. وفتح جبهات أخرى للمحرقة، أو “مواجهة الإرهاب بالإرهاب” حسب تعبير أنظمة وتنظيمات الإسلام السياسي الشيعي والسني.. الذين أقنعوا دراويشهم والبسطاء الآخرين بأنهم رجال هذه القضايا والمواقف الفارقة!
المشكلة بحاجة إلى إطفاء النار، لا إشعال المزيد من الحرائق، مع أهمية الأخذ بالاعتبار أن المسألة هنا، ودائمًا، ليست في القلق من تدخل أمثال “نظام الثورة الإسلامية” في إيران، والمليشيات التابعة له في المنطقة في الحرب من أجل القضية الفلسطينية؛ بل في الحرب بالقضية الفلسطينية.
الحمقى فقط لا يدركون أن فلسطين بالنسبة لهذه الأنظمة والتنظيمات الشمولية، وسيلة لا غاية، أو “كلمة حق يراد بها باطل”، حسب تعبير الإمام “علي بن أبي طالب” الذي كان، وما يزال هو الآخر بالنسبة للنزعة القومية الفارسية وسيلة لتحقيق غاياتها في استعادة أمجاد إمبراطورية آفلة.
وبالتالي؛ يمكن- بكل ثقة- التوقع مسبقًا أن أمثال هذه الأنظمة والتنظيمات الانتهازية، التي ضحت، وتضحي بالقضية الفلسطينية من أجل مصالحها، لا يمكن أن تضحي بأيٍّ من مصالحها من أجل القضية الفلسطينية، كأن تتدخل عسكريًا في حرب ليس لها فيها مصالح توسعية.
وهذا هو ما حدث خلال الحرب الإسرائيلية الراهنة على غزة، وكما في كل مرة؛ عندما جد الجد، قلبت هذه الأنظمة والتنظيمات لفلسطين ظهر المجن، وبحثت لها عن أعذار ومبررات فاضحة:
من كهفه المجهول، صرح “عبد الملك الحوثي” بما معناه أنه كان يتمنى المشاركة، لكن عقبة الجغرافيا منعته، ثم سرعان ما نسي عقبة الجغرافيا وقال إن لديه صواريخ ومسيّرات قادرة على الوصول إلى إسرائيل، لكنه سيطلقها، فقط في حال تدخلت واشنطن بشكل مباشر، وتناسى أن أمريكا تدخلت جهارًا نهارًا بإرسال بوارج وحاملات طائرات إلى إسرائيل!!
لكن؛ في الأخير، أعلن الحوثي عن دخوله المعركة بأسلوب رقمي، عن طريق إنشاء (هاشتاق) باللغتين العربية والإنجليزية، وهي مشاركة تقنية أسلوبية مضحكة تبناها أيضًا زعيم “حزب الله” في لبنان “حسن نصر الله”، الذي طلب من أتباعه التغريد عبر شبكة تويتر ضد إسرائيل!
على غرار تهافت الأعذار الحوثية.. أضاف حسن نصر الله أنه لا يملك للشعب الفلسطيني غير الدعاء، مبررًا عدم المشاركة في حرب فلسطين بالفراغ الرئاسي في لبنان، رغم أن هذا الفراغ الرئاسي لم يمنع حزب الله من التدخل في سورية واليمن والعراق لقتل أبناء هذه الشعوب العربية!!
من جهته، أعلن مقتدى الصدر في العراق عن دخول مليشياته المعركة في فلسطين، عن طريق إقامة مظاهرة مليونية يتم فيها حرق أعلام إسرائيل، وكل هذه التملصات والتبريرات انعكاس لموقف النظام الإيراني المنهمك حاليًا في قطر بمباحثات مع أمريكا “الشيطان الأكبر”، للإفراج عن بعض أرصدته المجمدة، نافيًا تمامًا أي علاقة له بهجوم حماس على إسرائيل، وهو تصريح يتضمن عدم مشاركته في أي نشاط عسكري ضد إسرائيل اليوم وحتى إشعار آخر!