حالة من المراوحة تلازم المشهد السياسي في اليمن في ظل جمود دبلوماسي وتوقّف المفاوضات السياسية، وذلك عقب النشاط الدبلوماسي في الفترة الماضية للمبعوث الأممي إلى اليمن هانس جروندبرج والمبعوث الأميركي تيم ليندركينج، من دون التوصل إلى بوادر اتفاق ينهي الحرب في اليمن، ويمهّد لحل سياسي شامل بين الأفرقاء السياسيين.
وفي ظل هذه المراوحة، تتصدر جماعة (الحوثي) المشهد عبر تحركات للحصول على أوراق ضغط في المفاوضات السياسية، إذ سعت الجماعة لتأكيد حضورها في الميدان العسكري داخليًا وخارجيًا عبر التصعيد في جبهات القتال ضد القوات الحكومية، وكذلك إعلانها عن استهداف الأراضي الفلسطينية المحتلة.
الحوثيون يصعّدون داخليًا وخارجيًا
وصعّدت جماعة الحوثيين عسكريًا في عدة محاور في جبهة محافظة مأرب الغنية بالنفط (على بُعد 170 كيلومترا شرق صنعاء)، وكذلك في محافظة تعز جنوب غربي البلاد، على الرغم من الهدنة الإنسانية التي رعتها الأمم المتحدة في أبريل 2022.
فقد شنّت، فجر الاثنين الماضي، هجومًا عنيفًا على مواقع الجيش الوطني، التابع للشرعية المعترف بها دوليًا، في منطقة الكسارة في الجهة الشمالية الغربية من محافظة مأرب، وقُتل ثمانية من أفراد القوات الحكومية وأصيب 17 آخرون في الهجوم.
كما صعّدت الجماعة في جبهات محافظة تعز، جنوب غربي البلاد، من خلال مهاجمة مواقع الجيش الوطني. وكان أربعة جنود سعوديين قد قتلوا، نهاية أكتوبر الماضي، في المواجهات مع قوات الحوثيين في منطقة جازان الجبلية جنوب غربي المملكة على الحدود مع اليمن.
كما أن أربعة جنود بحرينيين يعملون عند الحدود السعودية قُتلوا، نهاية سبتمبر الماضي، بعد استهدافهم من قبل الحوثيين بطائرة مسيّرة (وقتل جندي خامس في أكتوبر الماضي)، وهو الحادث الأول الذي تشهده الحدود السعودية منذ اتفاق الهدنة في إبريل 2022.
وترافق هذا التصعيد في جبهات القتال مع إعلان الميليشيا ، أكثر من مرة، عن إطلاق صواريخ كروز وطائرات مسيّرة نحو الأراضي الفلسطينية المحتلة، واستهدافها عدة مرات منذ 19 أكتوبر الماضي. مع العلم أنها أعلنت، الأربعاء، مسؤوليتها عن إسقاط طائرة مسيّرة أميركية قبالة السواحل اليمنية من طراز “إم كيو-9 “.
خدمة لمحور إيران؟
وفي السياق، قال الناشط مصطفى ناجي الجبزي، إن “الحوثيين ينتهزون كل فرصة سانحة لتنفيذ هجوم هنا واعتداء هناك، لأن أحلام التوسع لا تزال تدغدغ مخيلتهم”. وأضاف أن “الأحداث الجارية في فلسطين أفقدت (زعيم الحوثيين عبد الملك) الحوثي موقعه في المشهد الإقليمي، حيث تعطّل مسار المشاورات الخلفية، وضعفت ورقة الابتزاز السياسي الإقليمي”، لافتًا إلى أن الحوثي “أعاد التموضع وتعريف نفسه بأنه في خدمة محور إيران على حساب الأمن الإقليمي”.
واعتبر الجبزي أن “الحوثي يعتقد أن انشغال الناس بالشأن الفلسطيني قد يقود إلى تراخي الجبهات، فيشن هجومًا يغيّر به أوراق اللعبة، ويعيد تعريف مسار السلام كما يشتهي”.
وأضاف أن الحوثي “يدرك أن المؤسسة العسكرية للشرعية تعيد ترتيب صفوفها، ويؤدي رئيس هيئة الأركان صغير بن عزيز دورًا كبيرًا في هذه المهمة، خصوصًا في مأرب، وسبق أن حاول الحوثيون استهدافه في شمال غرب البلاد، بعد زيارته إلى محور حرض” الحدودي مع السعودية. وكان بن عزيز قد نجا، الثلاثاء الماضي، من محاولة اغتيال، إثر انفجار سيارة مفخخة لدى مرور موكبه العائد من السعودية، على مشارف مأرب.
وبحسب الجبزي، الذي رأى أن “الحرب هي هروب دائم بالنسبة للحوثي”، فإن الأخير “يحاول جرّ خصومه إلى مواجهة يتوقع أنه المتحكّم في توقيتها ومكانها”، لافتاً إلى أن “الجمود في عملية السلام يقلقه، لأنه يضعه بشكل مباشر تحت ضغوط المواطنين في مناطق خاضعة لسلطته، ويقتضي منه معالجة الأوضاع الاقتصادية، ودفع رواتب وتسيير شؤون اليمنيين في تلك المناطق”.
وحول تأثير التصعيد على مسار المفاوضات، لفت الجبزي إلى أن “كل شي جامد، والقوى الدولية والإقليمية مشغولة بغير الحوثي، والواقع أن معاركه جزئية ولا تغيير في معادلة السيطرة الميدانية”.
استعراض قوة
من جهته، قال الخبير العسكري العميد جمال الرباصي، إن الجماعة صعّدت في هذا التوقيت “الذي تعاني فيه غزة من الإبادة الجماعية، وكل الإعلام موجّه نحو ما يحدث هناك”، واصفاً التصعيد بأنه “تظاهرة إعلامية تستهدف الداخل اليمني”.
ورأى الرباصي أن تصعيد الحوثيين هو “استعراض قوة أمام الموظفين في الداخل، المطالبين بصرف رواتبهم وتحسين الوضع الاقتصادي، إذ يهدف الحوثيون لتسكين الموظفين” ودعوتهم للمزيد من الصبر، موضحًا أن “الجماعة تتهرب بذلك من مسؤولياتها تجاه المواطنين في الداخل”.
وأشار إلى أن “الحوثي من خلال تصعيده في مأرب يريد الضغط على السلطة الشرعية المفككة والعاجزة، والتي تسيطر عليها لوبيات الفساد وتعجز عن جمع موقفها تجاه الانقلاب (الحوثيين في 2014)”. وقال إن التصعيد في مأرب “يعبّر عن فشل الحوثي في تحقيق منجز، ما يُضعف موقفه، خصوصًا أن المفاوضات توقفت”، لافتًا إلى أن ذلك يخلق مشاكل داخلية للحوثي الذي يهرب منها “نحو التصعيد العسكري”.
استغلال القضية
أما الناشط عبد العليم أبو طالب، فقا إن “الأحداث في اليمن مرتبطة بالمنطقة والإقليم، والحركة الحوثية كثيراً ما تعتمد على الأحداث في المنطقة منطلقاً لتمرير أهدافها برعاية وتوجيه من النظام الإيراني”.
وأضاف أنه “مع غضب الشارع اليمني، قلّت شعبية جماعة الحوثيين، خصوصاً مع حالة التذمر الشعبي المتزايدة في مناطق خاضعة لها، لا سيما بعد ذكرى ثورة سبتمبر والاحتجاجات الشعبية التي رافقتها”.
ولفت أبو طالب إلى أن الجماعة وجدت في “طوفان الأقصى فرصة سانحة لتلعب بعواطف اليمنيين وموقفهم من القضية الفلسطينية، فسارعت بالبدء بجمع التبرعات الإجبارية من المواطنين والتجار”، مستغلة، بحسب أبو طالب، “شعارها الزائف الذي تتستر به لتلميع صورتها من جديد عبر إعلانها قصف الأراضي الفلسطينية بالصواريخ والطيران المسيّر”.
- العربي الجديد