التصعيد الحوثي الخطير في البحر الأحمر ماذا بعد؟
إذا استمر التهديد الذي يشكله الحوثيون على الأمن والاستقرار الإقليميين بلا هوادة، فمن المحتمل أن تبدأ الولايات المتحدة بالنظر في إعادة إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية. أيضًا من المهم إدراك أن مقتل أي أفراد أمريكيين في مثل هذه الهجمات مستقبلا سيكون بوابة التدخل العسكري الأمريكي الحتمي.
منذ بداية الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية في أكتوبر الماضي، شن الحوثيون، الجماعة الشيعية الزيدية المسلحة التي تسيطر على شمال اليمن وتنتمي إلى محور المقاومة الذي تترأسه إيران، سلسلة من الهجمات بواسطة الصواريخ والطائرات المسيرة ضد إسرائيل، مستهدفة مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر. وفي حين تم اعتراض الصواريخ على الفور، إلا أنها كانت بالتأكيد رسالة واضحة تعكس وضع الحوثيين، ليس فقط فيما يتعلق بالحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، ولكن أيضًا على مستوى النخب العسكرية الإقليمية، سواء تلك التابعة للدول أو غير التابعة لها.
استفزاز الحوثيين الأخير
في أعقاب هجمات الحوثيين الجوية، اتخذ تورط المليشيا في الحرب بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل في 19 نوفمبر منعطفا جديدا. فبعد التهديد المتكرر بأن السفن التي ترفع العلم الإسرائيلي والمملوكة لها والتي تديرها إسرائيل التي تمر عبر البحر الأحمر ستعتبر أهدافا مشروعة، اختطفت جماعة الحوثيين سفينة تجارية. لقد وصل بعض المسلحين الحوثيين إلى السفينة باستخدام قوارب صغيرة سريعة، بينما هبط آخرون على متن السفينة بمروحية.
وفقا لتقارير مطلعة، فإن السفينة التي ترفع علم جزر البهاما – والتي كانت في طريقها من تركيا إلى الهند وقت اختطافها – مسجلة تحت شركة مقرها بريطانيا، وهي مملوكة جزئيا لرجل الأعمال الإسرائيلي أبراهام أونغار. قبل هذه الحادثة، تعرضت سفينة مرتبطة بأونغار لانفجار في عام 2021 في خليج عمان، نُسب ذلك الحادث إلى إيران في ذلك الوقت.
تم تأجير السفينة المختطفة، Galaxy Leader، لشركة يابانية وكان على متنها طاقم دولي، بما في ذلك الأوكرانيين والبلغاريين والفلبينيين والمكسيكيين. ووفقا للتقارير، لا يحمل أي من أفراد الطاقم الجنسية الإسرائيلية. لكن الحوثيين، بعد أن أخذوا السفينة إلى الساحل اليمني، قالوا إنها إسرائيلية. كما أخبروا العالم أنهم سيتعاملون مع أفراد طاقمها “وفقا لتعاليم وقيم الدين الإسلامي”.
وفي أعقاب هذه الحادثة، قال المتحدث العسكري باسم الحوثيين يحيى سريع إن الاستيلاء على السفينة جاء ردا على “الأعمال الشنيعة ضد إخواننا الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية”. وأضاف أنه “إذا كان المجتمع الدولي مهتما بالأمن والاستقرار الإقليميين، بدلا من توسيع الصراع، فعليه وضع حد للعدوان الإسرائيلي على غزة”.
ردود الفعل من المنطقة وخارجها
وصف مجلس الأمن القومي الأمريكي الهجوم بأنَّه “انتهاك صارخ للقانون الدولي”، مطالبا بالإفراج عن السفينة وطاقمها. وحذرت واشنطن من أنها ستتخذ الخطوات المناسبة مع حلفائها، بما في ذلك في إطار الأمم المتحدة. وقالت اليابان، التي كانت تشغل السفينة، على لسان وزيرة خارجيتها، إنها “تدين بشدة” اختطاف السفينة. وحثت “السعودية وعمان وإيران والدول الأخرى المعنية على حث الحوثيين بقوة على الإفراج السريع عن السفينة وأفراد طاقمها”.
وفي المنطقة، وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الحادث بأنه “حدث خطير”، وسرعان ما وجه أصابع الاتهام إلى إيران، مشيرا إلى الاختطاف بأنه “عمل إرهابي إيراني آخر يمثل قفزة إلى الأمام في العدوان الإيراني ضد مواطني العالم الحر، ويخلق تداعيات دولية فيما يتعلق بأمن طرق الشحن العالمية”.
من جانبه، قال وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان: “شهدنا المرحلة الأولى من توسيع نطاق الحرب من قبل جماعات المقاومة التي تتخذ قراراتها بنفسها”. بهذه الكلمات، نأى عبد اللهيان بنفسه وبلاده بحكم الأمر الواقع عن الهجمات على إسرائيل والولايات المتحدة التي شنتها الجماعات المسلحة المتحالفة مع إيران خلال الشهر الماضي، ليس فقط في اليمن، ولكن أيضًا في العراق وسوريا.
وبالمثل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني في مؤتمر صحفي: “لقد قلنا عدة مرات إن جماعات المقاومة في المنطقة تتصرف بشكل مستقل وعفوي بناء على مصالحها ومصالح شعوبها”. وأضاف أن الادعاءات الإسرائيلية تهدف إلى تحويل الانتباه بعيدا عن “هزيمة إسرائيل التي لا يمكن إصلاحها” في معركتها ضد حماس في قطاع غزة.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن هذه التصريحات من عبد اللهيان وكنعاني تظهر بوضوح إلى أي مدى تنخرط إيران في عملية توازن دقيقة، فهي تريد مواصلة الضغط على إسرائيل على جبهات متعددة من خلال الجماعات المسلحة المتحالفة معها، مع الحرص على عدم المبالغة في لعب دورها والوصول إلى “نقطة اللاعودة” التي من شأنها أن تضر بطهران.
ماذا بعد؟
كما تمت الإشارة في تحليل سابق، فإن هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد جنوب إسرائيل لا تمثل تهديدا أمنيا خطيرا للدولة اليهودية. قيمة هذه الهجمات رمزي في الغالب، والغرض منها هو ترسيخ اصطفاف الحوثيين مع إيران، وحشد دعم اليمنيين الغاضبين من الحوثيين، وتعزيز مصداقية الحوثيين في العالم الإسلامي خاصة في الوقت الذي بدا فيه أن المزيد من الدول، ومن بينها المملكة العربية السعودية، تفكر في التطبيع مع إسرائيل. علاوة على ذلك، يستخدم الحوثيون هجماتهم بالطائرات دون طيار والصواريخ لتعزيز موقفهم التفاوضي في محادثات السلام مع الرياض التي كانت تحاول يائسة التخلص من تدخلها الكارثي في اليمن.
على العكس من الهجمات الجوية ضد إسرائيل، فإن الهجمات ضد السفن التجارية التي تمر عبر البحر الأحمر تمثل تهديدا أمنيا وتشكل مخاوف جدية، ليس فقط لإسرائيل، ولكن أيضا للولايات المتحدة، ولدول المنطقة، وأي شركة حكومية وخاصة أخرى تمر مصالحها الاقتصادية عبر البحر الأحمر.
بعبارة أخرى، من خلال مهاجمة السفن واختطافها على طول أحد أكثر طرق الشحن ازدحاما وأهمية في العالم، وهو أمر يمكن للجماعة القيام به بسهولة إلى حد ما من خلال صواريخهم من البر إلى البحر، والألغام البحرية، والقوارب الصغيرة السريعة، والمروحيات)، يثير الحوثيون تصعيدا قد يؤثر سلبا على الاقتصاد والاستقرار والأمن في المنطقة وخارجها.
ما هي الردود التي يمكن توقعها على تهديدات الحوثيين؟ ستعتمد الإجابة جزئيا على ما إذا كانت حادثة اختطاف سفينة الشحن غالاكسي ليدر ستكون هي الوحيدة من نوعها فقط، أم سينفذ الحوثيون ما وعدوا به من تكرار عملية الاختطاف ضد سفن أخرى خلال الأسابيع القادمة.
وحتى قبل قرصنة الحوثيين الأخيرة ، صرح قائد سلاح الجو الإسرائيلي، الجنرال تومر بار، خلال مؤتمر صحفي أن بلاده مستعدة “للعمل في جميع أنحاء الشرق الأوسط بأكمله”. ورغم أنه لم يذكر اليمن صراحة في خطابه، فإن حقيقة أن البيان جاء في سياق هجمات الحوثيين الصاروخية والطائرات بدون طيار ضد إيلات لا تترك مجالا للشك حول من كان يشير إليه بار.
ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا تزال الأولويات الإسرائيلية مركزة بقوة على جبهة غزة مع الفصائل الفلسطينية، والجبهة الشمالية مع حزب الله. وما لم يُلاحظ تصعيد دراماتيكي من قبل الحوثيين في البحر الأحمر، وما لم تنجح هجمات الحوثيين المستقبلية في اختطاف السفن الإسرائيلية وخطف أفراد من الطواقم الإسرائيلية، فليس هناك سبب وجيه للاعتقاد بأن إسرائيل ستوسع عملياتها باتجاه الحوثيين.
في الواقع، في حين أن إسرائيل لديها بالتأكيد القدرة على مواجهة التهديد الحوثي في البحر الأحمر، فإن الاضطرار إلى تحويل الموارد إلى جبهة جديدة في خضم حملة عسكرية مكثفة سيكون بعيدا عن السيناريو المثالي بالنسبة للإسرائيليين. وإذا حدث ذلك، فمن المتوقع أن تحاول إسرائيل جذب الأمريكيين أيضا.
لقد كانت الولايات المتحدة، منذ بداية الحرب بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، مهتمة بتجنب تصعيد الأعمال العدائية التي قد تحول الحرب إلى مواجهة إقليمية واسعة النطاق. وانطلاقا من هذه الاعتبارات، حذرت واشنطن إيران ووكلائها من أن أي هجوم ضد قواتها لن يتم التسامح معه وسيقابل بالرد. وكدليل على مصداقية تلك التحذيرات، أدت سلسلة من الهجمات، أكثر من 60، ضد أهداف أمريكية خلال الأسابيع القليلة الماضية على الفور إلى غارات جوية أمريكية على منشآت تابعة لإيران في سوريا.
في البحر الأحمر، إذا استمر التهديد الذي يشكله الحوثيون على الأمن والاستقرار الإقليميين بلا هوادة، فمن المحتمل أن تبدأ الولايات المتحدة بالنظر في إعادة إدراج الجماعة كمنظمة إرهابية أجنبية. أبعد من ذلك، إذا امتدت هجمات الحوثيين في مرحلة ما إلى أهداف أمريكية في البحر الأحمر، فمن المرجح أن تنتقم إدارة بايدن كما حدث في سوريا. بالإضافة إلى ذلك، من المهم إدراك أن مقتل أي أفراد أمريكيين في مثل هذه الهجمات مستقبلا سيكون بوابة التدخل العسكري الأمريكي الحتمي.
د. مارتا فورلان
مسؤولة برنامج الأبحاث في منظمة تحرير العبيد (FTS)، وزميلة غير مقيمة في معهد أوريون للسياسات (OPI) وزميلة في مركز الجماعات المسلحة.