رصد التلسكوبان “تيس” الأميركي و”كيوبس” الأوروبي نظاماً مؤلّفاً من ستة كواكب خارج المجموعة الشمسية تدور بوتيرة منتظمة جداً حول نجمها، ما يشكّل اكتشافاً مهماً لفهم تكوين النظام الشمسي، بحسب دراسة نُشرت الأربعاء.
وتدور الكواكب الستة حول “اتش دي 110067″، وهو نجم ساطع يقع على بعد حوالى مئة سنة ضوئية من نظامنا الشمسي في كوكبة الهلبة، ويمكن رؤيته من نصف الكرة الشمالي للأرض.
وفي حديث إلى “وكالة فرانس برس”، يشير أدريان ليليو من جامعة جنيف، وهو أحد المعدّين الرئيسيين للدراسة المنشورة في مجلة “نيتشر”، إلى أنّ ما اكتُشف عبارة عن نظام مدمج جداً ويتناسب مع مدار عطارد، الكوكب الأقرب إلى الشمس.
وكلّ هذه الكواكب ساخنة ويراوح قطرها بين حجم قطر الأرض وقطر نبتون. أما مكوّناتها فشبيهة بمكوّنات نبتون. ويقول عالم الفيزياء الفلكية إنها عبارة عن “جسم صخري مغطى بغلاف سميك من الغاز”.
ولا يقع أي من هذه “النبتون الصغيرة” في منطقة قابلة للحياة، أي على مسافة جيدة تجعل وجود الماء السائل عليها ممكناً، لأنّ هذا المكوّن أساسي لوجود حياة على الكواكب.
وللكواكب الستة المرصودة ميزات بارزة، إذ فتراتها المدارية، أي الوقت الذي تستغرقه لتدور حول نجمهما، متزامنة بصورة كبيرة، وهو ما لم يُرصَد لدى مجموعة تضم أكثر من 5000 كوكب خارج النظام الشمسي، منذ اكتشاف أوّلها عام 1995.
وبدأ الاكتشاف سنة 2020 عندما رصد تلسكوب “تيس” TESS الفضائي التابع لوكالة الفضاء الاميركية (ناسا) النجم ”اتش دي 110067″، وهو نجم مماثل في الحجم لشمسنا.
حلّ اللغز ورصد التلسكوب بدايةً كوكبين باستخدام طريقة العبور التي تقيس التغيرات في الضوء الناتج من مرور كوكب أمام نجمه المضيف. ويتمتّع الكوكب الأول، وهو الأقرب إلى النجم، بفترة مدارية قصيرة تتمثل بتسعة أيام. لكنّ إشارات عبور غريبة أثارت فضول علماء الفلك الذين اشتبهوا في وجود كواكب أخرى أبعد ولها تالياً فترة دوران أطول، وهو ما عجز “تيس” عن اكتشافه لأن هذا التلسكوب مصمم لرصد السماء على فترات تصل إلى بضعة أسابيع، لا لمراقبة المدارات الأطول. ثم استعان علماء الفلك بتلسكوب “كيوبس ” Cheops التابع لوكالة الفضاء الأوروبية و”القادر على رصد نجم لفترة طويلة”، على ما يوضح هيو أوزبورن، وهو أحد معدي الدراسة وباحث من جامعة برن، خلال مؤتمر صحافي. وتمكّن “كيوبس” تدريجياً من رصد أربعة كواكب أخرى. ويقول أوزبورن “حُلَّ اللغز أخيراً في العام 2023″. ويتميّز النجم “اتش دي 110067” بتوازن مثالي بفضل نظام مزامنة بالزوج، إذ تجذب الكواكب بعضها البعض تحت تأثير الجاذبية. وآلية دوران الكواكب منتظمة جداً، إذ عندما ينجز الكوكب الأول ثلاث دورات حول النجم، يقوم الكوكب الثاني بدورتين، وعندما ينهي الثاني ثلاث دورات، ينجز الثالث دورتين، وإلى ما هنالك. وفي النهاية، يُنجز الكوكب الأخير دورة واحدة بينما يقوم الأول بست دورات، وهو دليل على أن كل الكواكب متصلة عبر “سلسلة من الرنين”، على قول ليليو.
جمالية حسابية ويقول أوزبورن “كان من المذهل رؤية جمالية حسابية في الطبيعة”. ومن بين كل أنظمة الكواكب المعروفة، إنّ المُكتشفة هي الوحيدة التي تضم كواكب بهذا الانسجام. ويقول رافاييل لوك، وهو عالم فيزياء فلكية في جامعة شيكاغو والمعدّ الرئيسي للدراسة، “من الناحية النظرية، هكذا تتشكّل الكواكب”. ولم يتغير نظام “اتش دي 110067” تقريباً منذ تكوينه قبل أربعة مليارات سنة على الأقل. ويشير ليليو إلى أنّ نظامنا الشمسي الأقدم من المُكتشف، لا يتمتع برنين “بسيط” حتى بين كواكبه الثمانية. وقد يعود ذلك إلى “ظواهر فوضوية متكررة حدثت بعد ولادة نظام كوكبي، على غرار عملية تكوين كوكب عملاق مثل المشتري أو زحل، والتي قد تزعزع استقرار مدارات الكواكب الأصغر، أو تأثير نيزك عملاق”، على قول لوك. وسيكون “اتش دي 110067” بمثابة مرجع لفهم أصول تكوين نظامنا الشمسي، الذي ولد من تبدد قرص كوكبي أولي، لكنّ تاريخه غير معروف بشكل جيّد.