جولات مكوكية عدة شهدها عام 2023 طرقت أبواب السلام لليمن لكن مليشيات الحوثي أوصدتها جميعا متمسكة بتعنتها، باستثناء انفراجة محدودة في ملف تبادل الأسرى والمعتقلين.
وتم رصد أبرز محطات السلام في اليمن والجولات المكوكية للوسطاء التي انفتحت عليها حكومة اليمن فيما قابلها الحوثيون بمزيد من التعنت.
خرق جهود السلام:
وفي أبريل/نيسان 2023, أجرى وفد برئاسة السفير السعودي إلى اليمن محمد آل جابر محادثات مع مليشيات الحوثي في صنعاء، في زيارة نادرة فتحت الآمال لدى اليمنيين بقرب انفراجة وشيكة ومثلت أبرز تقدم منذ 9 أعوام مضت.
وبعد نحو 5 أشهر من زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء لبحث عملية السلام الشامل في اليمن، قدم وفد للحوثيين في سبتمبر/أيلول الماضي إلى الرياض، لاستكمال جهود المملكة في إحلال السلام باليمن.
لكن الحوثيين ما لبثوا أن انقلبوا على تلك الجهود من خلال القيام بأعمال عسكرية عدائية على الحدود السعودية، كان أبرزها هجوماً بالمسيرات على قوة بحرينية ضمن قوات التحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن على الحدود السعودية في خرق وتعنت صارخ لمشاورات السلام.
وجاء الهجوم عقب مغادرة وفد تابع للحوثيين العاصمة السعودية الرياض في 19 سبتمبر/أيلول، بعد محادثات استمرت 5 أيام مع مسؤولين سعوديين، في أعقاب دعوة رسمية وجهتها المملكة بغية استكمال جهود مسار السلام في اليمن.
وأثار الهجوم الحوثي إدانات إقليمية ودولية واسعة، باعتباره خرقا واسعا لجهود السلام في اليمن.
وفي سبتمبر/أيلول 2023 كثفت مليشيات الحوثي من هجماتها لتقصف بعدد من الطائرات المسيرة المفخخة عرضاً عسكرياً نظمه محور علب التابع للجيش اليمني في مديرية باقم شمالي صعدة بمناسبة الذكرى الـ61 لثورة 26 سبتمبر/أيلول، والذي أوقع سقوط قتلى وجرحى في صفوف الجيش.
هجمات بكل الجبهات:
وبالتزامن مع حراك السلام قادت مليشيات الحوثي الإرهابية تصعيدا عسكريا واسعا في عدد من جبهات القتال الداخلية، ما تسبب بتقويض السلام وعرقلة الجهود الأممية لتثبت وقف إطلاق النار، ووصول المشاورات إلى طريق مسدود نتيجة الأفعال الحوثية غير المسؤولة.
تعنت مستمر للمليشيات تجاه أي عملية تقود لسلام دائم في اليمن، وإطلاق سراح المختطفين والمعتقلين في سجونها، وشنها معارك وهجمات عسكرية، لتظهر لليمنيين خاصة وللمجتمع الدولي عامة، أنها منغلقة عن أي جولات سلام قادمة.
وفي يوليو/تمّوز ، كشف رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، عن تعنت مليشيات الحوثي تجاه الحل السلمي والإفراج عن المختطفين، وأن جهود السلام لم تحقق أي تقدم على مختلف المسارات، رغم الجهود الكبيرة للتحالف العربي بقيادة السعودية والمبعوثين الأممي والأمريكي.
ومنذ شهر يناير/ كانون الثاني 2023، تواصلت هجمات مليشيات الحوثي الواسعة في جبهات محافظات كل من (تعز، ومأرب، ولحج، والضالع، والحديدة، وأبين، وشبوة) بالإضافة إلى المناطق الحدودية جنوب السعودية، والتي توضح تلك الهجمات على تقويض جهود إحلال السلام في البلاد.
ولم تحرز المليشيات الحوثية أي تقدم ميداني، بعد أن حاولت القيام بعدة هجمات واستهداف بالطيران المسير لمواقع قوات الحكومة اليمنية.
وفي أغسطس/آب، هددت مليشيات الحوثي على لسان زعيمها عبدالملك الحوثي، بتصعيد عملياتهم العسكرية ضد الموانئ اليمنية والجزر، والزحف تجاه المحافظات الجنوبية، ما أثار مخاوف أممية من نسف جهود السلام، وهو ما حدث بعد تلك التصريحات بنحو شهر واحد فقط، من قصفها الحدود السعودية وتجمعات احتفالات الجيش اليمني أثناء المناسبات الوطنية.
مراقبون يمنيون أرجعوا جمود مساعي عملية السلام خلال 2023 إلى ما وصفوه بـ”الفشل الدولي” في إيجاد آليات ضغط وردع فعالة على مليشيات الحوثي لدفعها نحو الانصياع لجهود السلام سلما أو حربا
جولات الأسرى:
أُطلقت في أبريل/نيسان الماضي، عملية تبادل أسرى كبرى شملت أكثر من 900 أسير ومختطف، واستمرت لمدة 3 أيام، تمت عبر 6 مطارات يمنية وسعودية.
جاءت صفقة التبادل بعد توصل الحكومة اليمنية، والحوثيين، خلال مفاوضات عقدت في سويسرا في مارس/آذار 2023 إلى اتّفاق على تبادل نحو 900 أسير ومختطف.
وشملت الصفقة إطلاق 2 من الأربعة المشمولين بقرار مجلس الأمن، وهما وزير الدفاع اليمني الأسبق محمود الصبيحي وشقيق الرئيس السابق ناصر منصور هادي، قبل أن تفرج الجماعة الحوثية عن المشمول الثالث فيصل رجب بشكل أحادي، لكنها لا تزال تخفي مصير المشمول الرابع بالقرار وهو محمد قحطان.
كما شملت العملية إطلاق سراح الـ4 الصحفيين المحكوم عليهم بالإعدام، من قبل مليشيات الحوثي، بالإضافة إلى إطلاق سراح عفاش نجل عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح، وشقيقه محمد.
وفي يونيو/حزيران، انطلقت جولة جديدة من المفاوضات بين الحكومة اليمنية والحوثيين في العاصمة الأردنية عمان برعاية مكتب المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، أملاً في التوصل إلى صفقة جديدة لتبادل المزيد من الأسرى والمحتجزين، لكنها باءت بالفشل إثر تعنت المليشيات.
وكان من المقرر الخوض في مشاورات جديدة أواخر نوفمبر/تشرين ثاني الماضي، حول ملف الأسرى والمعتقلين والتي كانت من المفترض إقامتها في الأردن، لمواصلة التفاوض بمبدأ الكل مقابل الكل، لكن تعنت الحوثيين كالعادة حال دون إتمام هذه المشاورات.
وتضاعف المليشيات بتعنتها، من معاناة الأسرى والمختطفين والمعتقلين اليمنيين في سجونها خاصة السرية، والتي تمارس بحقهم أبشع الانتهاكات والجرائم ضد الإنسانية.
ويترقب الشارع اليمني من حين إلى آخر، ما ستقدمه المشاورات التي ترعاها السعودية والأمم المتحدة، والتي تصطدم مع أفعال المليشيات اللامسؤولة تجاه أبناء الشعب اليمني، الذي ما زال يتمسك بآمال الهدنة وتحقيق السلام الشامل.