كشف تقرير اقتصادي حديث عن حجم الصعوبات التي ستواجه تنفيذ اتفاق صرف المرتبات وفق خارطة الطريق المزعم التوافق عليها بين الأطراف في اليمن، جراء تداعيات الإجراءات الاقتصادية والنقدية التي اتخذتها جماعة الحوثي خلال السنوات الماضية.
وأصدر مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، الثلاثاء، ورقة تقدير موقف حول مفاوضات السلام اليمنية وسيناريوهات الحل الاقتصادي المتوقعة، وبخاصة ملف المرتبات وعدد من العقبات الرئيسية المرتبطة بذلك، وعلى رأسها شحة السيولة في مناطق سيطرة الحوثيين وصعوبة دفع المرتبات بالعملة المحلية.
ويضيف التقرير عن أهم هذه العقبات في الملف الاقتصادي، متمثلة في الانقسام الحاصل في الإيرادات الضريبية والجمركية وغيرها من الإيرادات لدى الطرفين، وما فرضته جماعة الحوثي من ضرائب وجمارك داخلية بالمناطق الفاصلة مع المناطق المحررة.
ويشير التقرير إلى التحديات التي تواجهها عملية صرف المرتبات في ظل الانقسام النقدي بين طرفي النزاع (الحكومة اليمنية والحوثيين) وما ترتب عنه من فجوة في أسعار صرف العملة الوطنية الريال في الجانبين، وشحة السيولة من العملة المحلية لدى جماعة الحوثي.
التقرير يقدم 3 سيناريوهات متوقعة لعملية صرف المرتبات والصعوبات التي تواجه كل سيناريو مع التداعيات السلبية له على الواقع الاقتصادي والنقدي، سواء تمت عملية صرف المرتبات عبر إيرادات النفط والغاز أو من خلال تكفل المملكة العربية السعودية بدفع المرتبات لفترة محددة وهو المرجح حتى اللحظة، كما يقول التقرير.
السيناريو الأول يتضمن تسليم إجمالي مبالغ المرتبات بالعملة الأجنبية لكل من طرفي الاتفاق (الحكومة وجماعة الحوثيين) بحيث يقوم كل طرف بعملية الصـرف للموظفين بالعملة المحلية في نطاق سيطرته لا سيما في حال لم يتم الاتفاق على إنهاء الانقسام النقدي وتوحيد العملة في المرحلة الأولى من إعلان اتفاق السلام.
إلا أن الصعوبات التي تواجه تنفيذ هذا السيناريو، تتمثل في شحة العملة المحلية بمناطق سيطرة الحوثي، بالإضافة إلى صعوبة إيداع مبالغ المرتبات في البنك المركزي اليمني بصنعاء وسيكون أمام السعودية إما نقل المبالغ المالية كنقود ورقية إلى صنعاء أو السماح للبنك بفتح حسابات خارجية وهذا يعني تفعيل السويفت الدولي له وهو أمر مستبعد في المرحلة الراهنة طالما أن البنك المركزي في عدن هو من يمتلك السويفت والاعتراف الدولي.
اما التداعيات السلبية لهذا السيناريو فتتمثل في ترسيخ استمرار الانقسام النقدي في العملتين، وزيادة الفجوة بين العملتين، محذراً من أن هذا السيناريو يمثل مخاطر على عملية السلام برمتها، حيث لن تكون هناك التزامات واضحة للطرفين بالاستمرار في تنفيذ كافة المراحل التي تتضمنها خارطة السلام المتفق عليها.
السيناريو الثاني الذي يورده التقرير يقوم على أن تدفع الأموال إلى الحكومة اليمنية لتقوم هي بتحويل المرتبات إلى مناطق سيطرة الحوثيين، ولكن بالطبعة القديمة من العملة، إلا أن صعوبة البنك المركزي بعدن في توفيرها قد يمنع تنفيذ هذا السيناريو.
بالإضافة إلى ما ستواجه وزارتا المالية والخدمة المدنية في عدن من صعوبات في مراجعة كشوفات الموظفين اليمنيين وفقًا لكشوفات 2014، وفي حين يستبعد التقرير تنفيذ هذا السيناريو حيث يُرجح أن لا تقبل به الجماعة الحوثية، يؤكد بأنه سيعمل أيضاً على ترسيخ الانقسام النقدي.
أما السيناريو الثالث الذي يتوقعه التقرير يتمثل في تسلم أموال المرتبات إلى عدد من البنوك التجارية المحلية بحيث تغذي أرصدتها في الخارج لتمويل استيراد السلع والمواد الغذائية من الخارج وتتولى هي صرف المرتبات للموظفين في مناطق سيطرة جماعة الحوثيين ومناطق سيطرة الحكومة.
وعلى الرغم من عدم وجود تداعيات سلبية لهذا السيناريو، إلا أن التقرير يشير إلى صعوبات قد تواجهها البنوك تتعلق بدقة كشوفات الموظفين وفق عام 2014م، وإمكانية أن يتعمد طرف ما إلى تسليمها أسماء لم تكن ضمن كشوفات 2014 أو قد يتم إسقاط أسماء أخرى لأسباب مختلفة، الأمر الذي سيضع البنوك أمام مشكلات كبيرة مع الموظفين.
تقرير مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي قدم ما وصفها بمقاربة مقترحة لدفع المرتبات ومعالجة التحديات الاقتصادية، تتمثل المقاربة بتشكيل لجنة فنية موحدة لتوحيد السياسة النقدية من قبل البنك المركزي اليمني في عدن والبنك المركزي اليمني في صنعاء عقب الإعلان والتوقيع على اتفاقية الحل السلمي وتباشر عملها بصورة فورية.
ويقترح التقرير أن تتولى هذه اللجنة الاتفاق على توحيد العملة اليمنية الريال وتحديد سعر التداول لها مقارنة بالعملات النقدية الأجنبية عند مستوى سعر معين، الاتفاق على حجم الكتلة النقدية التي سيتم إنزالها إلى السوق لدى الطرفين وذلك عقب تشخيص دقيق ومعرفة وافية، وأن تسير عملية توحيد السياسة النقدية والعملة بالتوازي مع عملية صرف المرتبات.