لماذا تفشل الضربات الأمريكية في تحقيق أهدافها ضد الحوثيين في اليمن؟
لقد اتجهت أعين العالم مرة أخرى نحو الحوثيين، بعد أن بدأت الجماعة اليمنية المسلحة في شنِّ هجمات واختطاف السفن التجارية في البحر الأحمر في نوفمبر الماضي، رداً على الحرب الوحشية التي تشنّها إسرائيل على غزة.
و من مواقعهم في الهضبة اليمنية وعلى ساحل تهامة، نفذ الحوثيون حصاراً بحرياً بفعالية، مما أجبر السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل وأوروبا على الاستدارة حول القارة الأفريقية وتعطيل التجارة العالمية.
وجودهم الذي يمكن تحديد خطورته في البحر الأحمر كان يطرح تساؤلات على الولايات المتحدة، التي ردت أخيراً في وقت سابق من هذا الشهر بضرباتٍ جوية وصواريخ على منشآتٍ عسكرية للحوثيين.
وقد أثارت هجمات الحوثيين على السفن التجارية، واستجابة الأمريكيين والبريطانيين الأخيرة، جدلاً حول أفضل طريقةٍ لاحتواء الحوثيين. و يدعم كثيرون الضربات الجوية، مؤكدين أن الخطر الذي يشكله الحوثيون على التجارة العالمية يستدعي اتخاذ تدابير عسكرية. وقد أجاد بعض المحللين، كما فعل محلل مؤخراً في مجلة فورين أفيرز، بالدفاع عن الدبلوماسية كـ حل.
و من المرجح ألا يتبين أن أي طرف من الجانبين هو الصواب. فقد نجا الحوثيون من ثمانية أعوام من الضربات الجوية التي نفذها التحالف السعودي، لذا فمن غير المتوقع أن تكون الضربات الجوية الأمريكية غير كافية لردعهم بشكل قاطع.
في الوقت نفسه، استغل الحوثيون المفاوضات وجولات السلام لتحقيق مكاسبهم، حيث يضعون مطالبهم القصوى وعادة ما يحصلون على تنازلاتهم قبل استئناف أنشطتهم العسكرية بعد أن يعيدوا تجميع صفوفهم واستعادة قوتهم.
و في الوقت الحالي، يقوم الحوثيون بتجميع قواتهم حول مأرب، المعقل الحكومي الغني بالنفط، حيث فشلت المجموعة في السيطرة على مأرب في عام 2021، وعندما وافقوا بعد ذلك على الهدنة الأولى التي ترعاها الأمم المتحدة بعد وقت قصير، أشار الخبراء إلى أن ذلك تم جزئياً لاستغلال الوقت قبل شن هجوم ثانٍ. و الآن، على الرغم من اتفاق السلام الذي حظي بتوسع إعلامي، يبدو أن الهجوم الثاني قريب جداً.
و وفقاً للتقارير الأخيرة، يساعد أفراد الحرس الثوري الإيراني وحزب الله أيضاً الحوثيين في تحديد أهدافهم. و قد يشير ذلك إلى زيادة الدور الإيراني في اليمن، وبغض النظر عن ذلك، قد يتعين على الولايات المتحدة وبريطانيا أن يفهما لماذا يُشار إلى اليمن بشكلٍ متكرر كـ “مستنقع”، تماماً كما فعلت السعودية، إذا استمروا في نهجهم الحالي.
لكن هذا ليس الموضوع الأساسي، و بالإصرار على رؤية الوضع من خلال هذا الاختيار الزائف، يقوم المحللون الغربيون في كلا الجانبين بتعدي العقبات لتفادي التعامل مع الأمر المعروف والمهمل: حرب إسرائيل على غزة.
و لأن الحوثيين لم يقوموا بفعل شيء سوى أنهم كانوا صريحين بشأن طموحاتهم في البحر الأحمر، و من خلال استهداف الشحن التجاري، يرغبون في إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار في غزة.
وليس من الغريب أن تتناسب أعمال الحوثيين في البحر الأحمر تماماً مع أيديولوجيتهم الأوسع نطاقاً. كما أكدت (ميساء شجاع الدين) -باحثة اولى في مركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية والخبيرة الرائدة في جماعة الحوثيين- بأن طموحات المجموعة الحوثية تمتد إلى خارج اليمن، حيث يتصوّرون أنفسهم كحركة عابرة للحدود المعادية للإمبريالية.
و ذلك لا يعني أن الحوثيين يقومون بذلك بالضرورة انطلاقاً من التضامن مع الفلسطينيين، حيث أن الحوثيون يديرون نظاماً قمعياً ووحشياً في صنعاء، ويبدو أنهم يولون اهتماماً أقل بحقوق الإنسان في اليمن مقارنةً بحقوق الفلسطينيين.
وكما أشار العديد من النقاد، فإن الحوثيين لديهم الكثير للاستفادة من ظهورهم كمدافعين عن غزة، فهم يتمتعون بدعم محدود داخلياً، ويمكن أن تكون مواجهتهم لإسرائيل مشغلاً ضرورياً لتشتيت الانتباه. ومن المرجح أن تعزز الضربات الجوية الأمريكية روايتهم بالمقاومة ضد الاستعمار الغربي والأمريكي في الشرق الأوسط.
و بغض النظر عن أمر نقاء نواياهم، تبقى هناك حسابات في جوهر أفعالهم، ففي الوقت الحالي، يستطيعون استخلاص دعم الجمهور من خلال أعمالهم في البحر الأحمر، بمخاطر ضئيلة.
و يتمكنون من فعل ذلك، على الأقل جزئياً، بسبب الحرب الإسرائيلية التي لا هوادة فيها و التي أودت بحياة أكثر من 27,000 فلسطيني ولا تزال الحصيلة مستمرة، وفقاً لوزارة الصحة في غزة.
و قد يتم تغيير هذا المعادلة في حالة تحقيق هدنة دائمة. و على الرغم من أن القضية الفلسطينية تحظى بشعبيةٍ جماهيرية في اليمن والمنطقة، إلا أن هناك حداً لمدى استمرار الحوثيين في استخلاص الدعم من استهداف السفن في البحر الأحمر إذا توقفت الحرب في غزة، خاصةً لأن الحصار البحري يؤثر أيضاً سلباً على شعب اليمن.
مع أن غزة تشكل قلقاً متزايداً في الوقت الحالي، فقد يتمكن اليمنيون من تجاوز ارتفاع تكاليف الاستيراد على المدى القصير، ولكن من غير المرجح أن يظلوا بهذه القدر من التأقلم لفترة طويلة.
و في 17 يناير/ كانون الثاني، أعادت إدارة بايدن تصنيف الحوثيين كتنظيمٍ إرهابي. و من المتوقع أن يكون لهذا التصنيف تأثير ضئيل على الحوثيين، سواء من الناحية المالية أو غيرها. ووصف (إبراهيم جلال)، خبير اليمن وعالم الشؤون المقيم في معهد الشرق الأوسط، هذا التصنيف بأنه “ولد ميت”. ومع ذلك، فإنه قد يزيد من تفاقم الأزمة الإنسانية المأساوية وعملية السلام الهشة.
وبهذا التصنيف، فإن الخيارين المتاحين أمام الولايات المتحدة -القنابل أو الدبلوماسية – هما خياران ضعيفان. وفي مثل هذه الحالة، يمكن أن يقترح المحللون الأمريكيون أن ينظروا إلى الداخل ويضغطوا على حكومتهم لوقف دعمها غير المشروط لنظام إسرائيل الذي وجدت المحكمة الدولية للعدل (ICJ) أنه يرتكب بشكل معقول جرائم إبادة جماعية في غزة.
و الهدنة في غزة قد لاتكون كافية لكبح الحوثيين تماماً، ولكنها قد تساهم في زيادة التكلفة السياسية والمالية لعملياتهم في البحر الأحمر. وهي خطوة جيدة للبدء في ظل غياب إجراءاتٍ فعالة أخرى.
و يقول (فارع المسلمي)، محلل اليمن والخليج في تشاتام هاوس، إنه بالنسبة للحوثيين، فأمر تحقيق هدنة ناجحة في غزة سيكون “حلماً” قد يجعلهم يتوقفون عن هجماتهم. و قد تكون هذه الانتصارات ذات أهمية كبيرة تغير حساباتهم الداخلية.
و مواصلة الهجمات، لن توفر أي قيمة إضافية، بل قد تعرض ما حققوه من دعم الجمهور للانخفاض. كما قد تزيد من تكلفة النزعات المثالية للحوثيين.
و الاستجابة الدولية للحرب في اليمن لديها سجل سيء، ففي كثير من الأحيان تعتبر عقبة بدلاً من يد مساعدة. ففي عام 2018، منعت هدنة توسطت فيها الأمم المتحدة القوات الحكومية من استعادة مدينة الحديدة من قبضة الحوثيين. وفي الوقت الحالي، تعتبر تلك المدينة الميناء محوراً لتوجهات الحوثيين للسيطرة في البحر الأحمر.
و قبل أن تتداول الولايات المتحدة كيفية المشاركة المقبلة في اليمن، يجب أن تدرك أولاً كيف تُغذي الحرب المستمرة في غزة مناوشات الصراع في الشرق الأوسط.
و بالنسبة للمصالح الأميركية في المنطقة، تبقى سياستها تجاه إسرائيل بمثابة نار مشتعلة، وستشعل شرارتها صراعات جديدة حتى تنطفئ. (The New Arab- ماجنوس فيتز)