يصعب الكلام عن قرار جدّي أميركي وأوروبي، وحتّى دولي، بمواجهة الحوثيين قبل رؤية تحرّك ذي مغزى في الداخل اليمني. متى تفتح جبهات داخلية مع الحوثيين، يصبح ممكنا الحديث عن رغبة واضحة في التصدي لهؤلاء ولنشاطهم التخريبي في البحر الأحمر حيث يعطلون حركة الملاحة في هذا الشريان الحيوي للتجارة الدولية.
لا تنفع الضربات الأميركيّة والبريطانية التي توجه من الجو إلى “جماعة أنصارالله” في شيء، خصوصا إذا أخذنا في الاعتبار الطبيعة الوعرة والصعبة للأرض اليمنية… واتساع الجبهة التي فتحتها إيران في البحر الأحمر، بما في ذلك عند مضيق باب المندب الاستراتيجي.
تسعى “الجمهوريّة الإسلاميّة” في كل يوم إلى تأكيد أنّها اللاعب الأهمّ في الشرق الأوسط والخليج وأنّ على العالم، على رأسه أميركا، الاعتراف بذلك. ليس صدفة كلام المسؤولين الإيرانيين منذ سنوات عدّة عن أن بلدهم يستطيع إغلاق مضيق هرمز كما يستطيع إغلاق باب المندب. تتصرّف إيران كما لو أنّها تسيطر على باب المندب على الرغم من خروجها من ميناء المخا بعد طرد الحوثيين منه في 2015… بواسطة قوات يمنية.
تدفع أميركا في البحر الأحمر ثمن لعبة التذاكي التي مارستها في اليمن منذ تجاهلت واقعا يتمثّل في أن الحوثيين أداة إيرانيّة ولا شيء آخر. رفضت الولايات المتحدة رؤية أنّ الهدف الإيراني تمثل منذ سنوات طويلة في إقامة كيان سياسي في اليمن، أي في شبه الجزيرة العربيّة، تمهيدا لتحويله إلى قاعدة عسكرية فيها صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة.
في الواقع، جلست أميركا تتفرج على ما يقوم به الحوثيون، خصوصا منذ سيطرتهم على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. قبل ذلك، رفض المسؤولون الأميركيون أي بحث في خطورة الظاهرة الحوثيّة. كلّما كان الحديث مع أي مسؤول أميركي يتطرّق إلى هذه الظاهرة، كان الجواب واحدا: أميركا لا ترى في اليمن سوى الخطر الذي تشكّله “القاعدة”.
كان هناك وجود فعال لـ“القاعدة” في اليمن. كان هناك منذ ما قبل الهجوم الإرهابي لـ“القاعدة” على نيويورك وواشنطن في 11 أيلول – سبتمبر 2001 ما يشير إلى نشاط واسع للتنظيم الذي أسّسه أسامة بن لادن وآخرون في كلّ الأراضي اليمنية. ما لم يكن جائزا، أميركيّا، تجاهل النشاط الموازي للحوثيين، خصوصا بعد انقلابهم العلني في العام 2003 على علي عبداالله صالح الذي لعب دورا في دعمهم في مرحلة معيّنة عندما كانوا يسمّون أنفسهم “الشباب المؤمن”. بعد انقلابهم على علي عبدالله صالح، الذي خاض معهم ست حروب ما بين 2004 و2010، لم يتوقف الحوثيون عن إطلاق صرختهم المعروفة: “الموت لأميركا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام”.
كان الحوثيون يعنون كلّ كلمة في تلك الصرخة. لكن الأهمّ من ذلك كلّه أن السيطرة الإيرانيّة عليهم كانت تزداد يوما بعد يوم. في الوقت ذاته كان يزداد وضع اليمنيين سوءا، خصوصا أنّ ليس لدى الحوثي من مشروع غير خدمة المشروع التوسّعي الإيراني في المنطقة.
تجاهلت الولايات المتحدة هذا الواقع. لم يعن الحوثيون شيئا لها إلّا بعد حرب غزّة ومباشرتهم إطلاق الصواريخ والقذائف في اتجاه السفن التي تعبر البحر الأحمر أو تلك الموجودة في خليج عدن. لم يخف عبدالملك الحوثي الذي يتزعّم “جماعة أنصارالله” أنّ الهجمات ستستمرّ على السفن التي تدخل البحر الأحمر وأنّ جماعته لم تتأثّر بالضربات الأميركيّة والبريطانيّة. تحدث عبدالملك عن “مفاجآت” تعدّ لها جماعته من دون إدراك لواقع يتمثل في حال البؤس الذي بات يعيش في ظلّه اليمنيون في مناطق السيطرة الحوثيّة، خصوصا في صنعاء. لم يعد يمتلك أي يمني يعيش في مناطق السيطرة الحوثيّة أي أمل في المستقبل بعدما حرمه الحوثيون من حياة كريمة وفرضوا خرافات معيّنة على الناس العاديين.
ليس سرّا أنّ الحوثيين أداروا معركة الوصول إلى صنعاء والسيطرة عليها كلّيا، تمهيدا لاغتيال علي عبدالله صالح في 2017، بحذاقة ليس بعدها حذاقة. كانوا المستفيد الأوّل والأخير من الانقلاب الذي نفذه الإخوان المسلمون (حزب التجمع اليمني للإصلاح) مع حلفائهم في الجيش مثل اللواء علي محسن صالح الأحمر وفي الأجهزة الأمنيّة تحت غطاء “الربيع العربي”.
يمكن تجاوز سذاجة الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي الذي لعب دورا أساسيا في فكفكة الجيش اليمني في مرحلة ما بعد توليه السلطة في شباط – فبراير 2012، خلفا لعلي عبدالله صالح. لكنّ ما لا يمكن تجاوزه وجود تهاون أميركي مع الحوثيين خصوصا أنّ هناك قوى في الداخل اليمني قادرة على التصدي لهم. تصدت هذه القوى للحوثيين عندما أخرجتهم من عدن ومن ميناء المخا. كذلك، عندما حالت دون تمددهم أكثر في تعز وجوارها. فوق ذلك كلّه، حالت هذه القوى دون سيطرة الحوثيين على مدينة مأرب ومنعتهم من السيطرة على محافظة شبوة ذات الموقع المهمّ.
لم تفهم الولايات المتحدة أن “عاصفة الحزم” التي رفضت دعمها لم تكن سوى حرب دفاعية خاضتها دول الخليج العربي، في مقدّمها السعوديّة والإمارات. لم يكن هناك أي استيعاب أميركي لخطر قيام كيان سياسي مسلّح، يعتمد على تجييش مراهقين، بدل السماح لهؤلاء بالذهاب إلى المدرسة، في شبه الجزيرة العربيّة.
هل تحصل استفاقة أميركيّة؟ الجواب بكل بساطة أنّ ذلك مرتبط بما إذا كانت الإدارة الأميركية سترمي بثقلها في داخل اليمن وتدعم بالفعل ما بقي من جيش تابع لـ“الشرعيّة” وحلفاء لهذا الجيش مثل ألوية “العمالقة” أو القوات المرابطة على جبهة الحديدة. متى تفتح جبهات جديدة، أكان ذلك في مأرب أو في الساحل قرب الحديدة، على سبيل المثال وليس الحصر، يمكن أخذ الكلام عن رغبة أميركيّة في التصدي للحوثيين ومن خلفهم إيران على محمل الجد!
*عن صحيفة العرب اللندنية