كتب / فاروق يوسف:
- الشرعية هزمت نفسها واعادة الأمور في اليمن إلى سويتها مستحيلا
لا يفكر الحوثيون في إلحاق الهزيمة بالأساطيل الأميركية التي تتجمع قريبًا منهم وتقصفهم وتقتلهم، لكنهم على يقين من أن تلك الأساطيل لن تنتصر عليهم، لا لشيء إلا لأنهم على ثقة من أنهم لا يخسرون شيئًا، حين أوعزت إيران لهم بالقيام بذلك الدور فإنها كانت على بينة من حقيقة خوائهم.. ذلك لأنهم مجرد انقلابيين، سمحت الظروف لهم بأن يحتالوا على التاريخ ليكونوا جزءًا من مرحلة قلقة، لم تعد الشرعية فيها مقياسًا.
ما من ميزان للعدالة الدولية في إمكانه أن يعيد الأمور في اليمن إلى سويتها، سيُقال إن اليمنيين محوا الخرائط بأنفسهم، لقد هزمت الشرعية نفسها بنفسها، بل أنها تآمرت على نفسها في الكثير من الحالات. غير أن ذلك لا ينفي حقيقة أن الحوثيين مجرد انقلابيين. أما حين لجأوا إلى إيران بمزاعم طائفية فقد ارتكبوا جريمة في حق شعبهم. لقد مزقوه بعد أن أحبطه فشل الشرعية في الدفاع عنه.
من جهتها فإن الولايات المتحدة بالرغم من ردود أفعالها الاستعراضية على الاعتداءات الحوثية لا تفكر في الدخول في حرب حقيقية لا بسبب خوفها من اتساع دائرة تلك الحرب بسبب ما يجري في غزة، بل لأنها تدرك أنها حرب غير مجدية بعد أن كانت عبر السنوات الماضية رافضة لاتخاذ موقف صارم وجاد على مستوى الدفاع عن الشرعية في اليمن مثلما اعتادت أن تفعل في حالات شبيهة حول العالم، كما لو أنها كانت تسعى إلى استرضاء الحوثيين انطلاقا من قناعة مضللة أن ما جرى في اليمن هو شأن داخلي. وهو ليس كذلك بكل تأكيد. وإذا ما كان الحوثي قد أكد بلسانه حقيقة ارتباطه بالمشروع الإيراني التوسعي في المنطقة كما أن الوقائع قد أكدت أن إيران مستمرة بتمويله بالسلاح فإن الولايات المتحدة أظهرت الكثير من الخفة وهي تتعامل مع تلك الحقيقة. ذلك موقف لم يغب عن العقل السياسي الإيراني وهو يضع المبادرة في أيدي الحليف الحوثي مطمئنًا إلى أن ردود الأفعال الأميركية لن تكون سوى غبار مؤقت لمعركة لن تحدث.
ليس مهمًّا هنا فيما إذا أثبتت الوقائع أن الإيرانيين قد قرأوا الواقع السياسي الدولي خطأً، لن يصيبهم شيء إذا ما قررت الولايات المتحدة كما تفعل الآن أن توجه ضربات مدروسة إلى الحوثيين الذين هم أصلا يعيشون حالة حرب ضد الشعب اليمني. فاليمن بعيدة عن إيران. كما أن الولايات المتحدة لن تفكر في احتلالها مثلما فعلت في وقت سابق مع العراق.
صحيح أن المصالح الأميركية صارت مهددة بسبب القصف الذي يقوم به الحوثيون للسفن المارة بمضيق باب المندب، غير أن الصحيح أيضا أن ذلك القصف سيضر بمصر وهي مالكة قناة السويس التي انخفضت إيراداتها بسبب تغيير طرق الملاحة الدولية.
في الظاهر ينفذ الحوثيون أجندة إيرانية للإضرار بالمصالح الأميركية أما في الباطن فإنهم ينفذون الأجندة ذاتها لكن على مستوى ترويع مصر من خلال ضرب اقتصادها. هل يدخل ذلك في نطاق نظرية المؤامرة؟ ولكن مَن يتآمر على مَن؟ أظن أن الطرف الأميركي يمتعه أن يكون شاهدا على ما يحدث في المنطقة العربية من خراب، فالحوثيون وإن وضعوا أنفسهم في خدمة مشروع بائس معاد للأمة العربية يظلون صوريا عربا وحين يلحقون الضرر بمصلحة دولة عربية فإن ذلك يعني أن عربًا خانوا عربًا وخذلوهم. وهو ما يسيء إلى سمعة اليمنيين في المستقبل.
المشكلة أن عقائدية الحوثيين الزائفة أعمت أبصارهم عن رؤية الحقيقة؛ حقيقة أن وجودهم في الحكم لا يمكن تطبيعه في المنطقة، وحتى لو صاروا جزءا من العملية السياسية في اليمن بعد انتهاء الحرب فإن الجرائم التي ارتكبوها في حق عروبة اليمن لا يمكن نسيانها، فاليمن تظل جزءا من الجزيرة العربية ولا يمكن فصلها، الجغرافيا والتاريخ يقولان ما هو مختصر ومفيد.
في سياق تلك المعطيات السياسية لن تدخل الولايات المتحدة حربًا خاسرة في اليمن أولًا لأنها لا تريد أن تخسر حربًا ضد إيران ، وثانيا لأن الإضرار بمصر هو هدف، هل هو هدف إسرائيلي أم أميركي أم أنه هدف مزدوج؟ لقد طردت مصر جماعة الإخوان المسلمين وأنهت حكمهم، وهو ما أجهض مخططًا للانقضاض على المنطقة العربية وإنهاء أملها في التحرر من الربيع العربي الكاذب.. الحرب على مصر تفضح أكذوبة حرب أميركية خاسرة.
- محلل سياسي عراقي
المصدر “ميدل إيست أونلاين”