تروي الطفلة الفلسطينية لمى أبو جاموس وتوثق واقعا مرا يعيشه السكان في قطاع غزة. ففي مقاطع فيديو تنشرها على شبكات التواصل الاجتماعي تصف “أصغر صحافية في غزة” التي لا يتجاوز عمرها الأعوام التسعة، وكلها ثقة، أمام كاميرا هاتفها النقال يومياتها ويوميات سكان القطاع، همومهم وآمالهم التي شاهدها مئات الآلاف من متابعي حساباتها على إنستاغرام وتيك توك.
خوذة على رأسها الصغير وسترة واقية من الرصاص زرقاء كتبت عليها كلمة برس (صحافة) بالأحرف اللاتينية تكسو جسمها النحيل… بابتسامتها البريئة وجرأتها الشجاعة وطلاقة لسانها، تشارك لمى أبو جاموس التي لا تتجاوز التسعة أعوام، حياتها اليومية وحياة أقرانها الفلسطينيين المحاصرين تحت القصف الإسرائيلي في قطاع غزة مع متابعيها الذين اقترب عددهم على منصة إنستاغرام من 900 ألف شخص. فقد اقترن اسمها بلقب “أصغر صحافية في غزة” إذ تنشر مقاطع فيديو على الإنترنت لتكون شاهدة وببراءة طفولتها على الجحيم الذي آلت إليه غزة جراء الحرب التي تشنها إسرائيل ضد حماس في القطاع الفلسطيني منذ السابع من شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023.
أصبح الميكروفون لا يفارقها، وبرز اسم لمى أبو جاموس إلى العلن وسط مئات الصحافيين الذين يقومون بتغطية الأحداث على الأرض. وبمساعدة أهلها وتشجيع متابعيها ومقربين منها أصبحت الفتاة صوت أطفال غزة.
“ليت العالم يستطيع فعل شيء لوقف هذه الحرب”، كلمات خرجت كصرخة أطلقتها الفتاة الصغيرة في أحد مقاطع الفيديو التي تصورها بهاتفها النقال في مدينة رفح بجنوب غزة حيث يقبع 1,5 مليون من سكان القطاع في حالة مزرية. وعلى غرار عائلتها، غالبية هؤلاء النازحين فروا من الهجوم البري والقصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع الفلسطيني.
الموت ولا هذا “الكابوس”
وقد أدى رد حكومة بنيامين نتانياهو على هجمات 7 أكتوبر/تشرين الأول التي نفذتها حركة حماس وحلفاؤها في إسرائيل إلى مقتل أكثر من 32490 شخصا، وفقا لوزارة الصحة في غزة، وخلف وضعا إنسانيا كارثيا، إذ وصف جيمس إلدر، المتحدث باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونيسف” المنطقة في ديسمبر/كانون الأول بأنها “أخطر مكان في العالم بالنسبة للطفل”. كما أكد جيمس إلدر مؤخرا أن الظروف المعيشية في غزة بلغت حدا جعل شبابا يقولون للمنظمة إنهم يأملون “أن يُقتلوا” من أجل التخلص من هذا “الكابوس”. ففي حديث عبر الفيديو من رفح، قال إلدر إن الوضع في غزة بلغ مستوى يمكن وصفه بأنه “أحلك فصول تاريخ الإنسانية”.
ففي هذا السياق، تبلورت فكرة مهنة الصحافة لدى لمى أبو جاموس، وتحديدا في 9 من شهر ديسمبر/كانون الأول، وهو تاريخ أول فيديو لها عن هذه الحرب، وتم نشره من خان يونس، حيث نزحت عائلتها التي كانت تعيش في مدينة غزة.
وما هي سوى بضعة أسابيع حتى أعطت شبكة التواصل الاجتماعي صدا عالميا لشهادتها، ومنحت شهرة دولية لـ”أصغر صحافية فلسطينية”.
شهادة نادرة أمام أكبر وسائل الإعلام الدولية
وبين عشية وضحاها، وجدت لمى نفسها تتحدث أمام أكبر وسائل الإعلام الدولية على غرار قناة “سي إن إن” الأمريكية وغيرها. في حين لا يزال الصحافيون الأجانب ممنوعين من الوصول إلى الأراضي الفلسطينية، ويواصل زملاؤهم في دفع النفس والنفيس في القطاع…
ووفقا للجنة حماية الصحافيين، وهي جمعية تتخذ من مدينة نيويورك مقرا لها، فقد قتل الجيش الإسرائيلي ما لا يقل عن 95 صحافيا، من بينهم 90 فلسطينيا، منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحركة حماس.
اقرأ أيضاالحرب في غزة هي الأكثر دموية بالنسبة للصحافيين منذ بدء جمع البيانات في 1992
وقد ساعدت هذه الشهادات النادرة التي استطاعت لمى تصويرها وتوثيقها وفق ما يسمح به تدفق الإنترنت المنقطع في غالب الأحيان بالمنطقة، بإلقاء الضوء على معاناة أهل غزة وأحوالهم اليومية.
تتجول لمى أبو جاموس في ما تبقى من شوارع قطاع غزة راصدة يوميات وظروف معيشة السكان في غزة وتقوم بالتعليق عليها بمشاهد توثقها وتبثها. كما تجري مقابلات مع أفراد عائلتها أو صحافيين محليين على غرار وائل الدحدوح، صحافي قناة الجزيرة الشهير والذي يقدم لها يد المساعدة ويحثها على المواصلة.
وتقوم أيضا بمقابلات مع أطفال مصابين جراء القصف الإسرائيلي على المستشفيات وفي الملاجئ المدرسية.
ويعرض مقطع فيديو آخر على الإنترنت لمى وهي تزور أنقاض المبنى الذي كان يضم شقة العائلة، قبل أن ينزحوا إلى جنوب غزة.
في 25 آذار/مارس ، وفي آخر منشور وثقته على حسابها على إنستاغرام، وبنبرة غضب وحزن، تحدثت لمى عن مقتل عمتها وعمها وأطفالهما في قصف إسرائيلي.
وختمت قائلة: “رسالتي إلى العالم هي أنه على الرغم من الألم هناك أمل، أتمنى أن تنتهي الحرب”، كما تأسفت مثلما هو الحال في معظم مقاطع الفيديو التي تنشرها على “تلك الأيام التي كانت فيها الحياة جميلة”.