ثقافة وفنمحليات

“مجنون المدينة”.. أعاجيب الإبداع والزجَّ في غيابة الجنون





  • قراءة- إكرام عبدالله
    رواية لكاتبٍ يمنيٍّ مُخضرم، انتشل الحقائق وصاغها في مجلّدٍ روائي اسماه “مجنون المدينة” يخيّل للقارئِ أن يقرأ روايةٌ بها رجلٌ زُجَّ بهِ في غيابت الجنونِ بفعلِ حُبٍّ وربما غير ذلكَ من مسوّغات الجنون.
    في الأسطُر الأولى يسيرُ القارئ بفكره إلى مرمى؛ لكنّه ما إن يُشارف على قراءة آخر وريقات الكتاب حتى ينحني تقديرًا لكاتبٍ يُمثلُّ وقائعًا جبروتية قلّما يتحدثون عنها الكتّاب، جمعت روايته بين التفاني والوفاء بين الرفقة، حيث وقد تجسّدت كل هذه المعالم الأكثر من بهيةٍ في شخصياتٍ قليلٌ حضورها، عظيمٌ أثرها كسعادٍ وهيفاء، والنِّمسُ “ياسين” وإبراهيم، أن يشتد عضدكَ بصديق، ألّا يتوانى في دفع حياته ثمنًا لصاحبه، أن يقتل الفراق، كل هذه أعجوباتٌ تحدث لا مجال من نكرانها؛ لكن تجسدها في شخصيات هذه الرواية وبهذه الدقّة كان عاملًا يُسجّل للكاتب لا عليه.
    شروع الكاتب في الحديثِ عن الحُبِّ بهذه الطريقة البسيطة والعميقة في ذات الوقت جسدت أمورًا شاعريةً يستحببها القارئ، إلا أن بها ما يجعلها تتنافى مع اليمنيين المحافظين جدًا كمكوث ماهر مع بشير وهيفاء وسعاد في منزل بشير، فواقعنا اليمني لا يكاد يسمع بهكذا أمر، سواءً كان من جهة الحبيبين والاختلاء، أو أن يقبل أهل بيتٍ بوجود غريبٍ وجلوسه بين أهله بأريحية، وكذا احتضان بشير لنهال بعد ظهور نتيجة الفحص السليم وإن تدارك الكاتب هذا وسدّ ثغرته، وكذا جلوس بشير ونهال على شاطئ البحر بأريحية وهكذا، إلا أنها رواية والرواية تأخذ من الحقيقة والخيال، ومسحةٌ من الحبِ لا ضرر فيها إن كان هذا ما خيّل للكاتب، حيث وأن روايته واقعية عميقة، كذلك كلمات المقالات المدرجة في الرواية على أنها مقالات الصحيفة وكذا مقالات التقويل بين الشخصيات تدرج ضمن الجماليات التي قد يقرأها القارئ ويستلذ بها لعفويتها، ولطافتها، وعدم تكلّفها وإنما كانت سهلةٌ وسلسة، وحتى الوقائع المريرة والحزينة في الرواية كان أثرها بارز وظاهر، حيث وأن القارئ يستشعرها من بين السطور جليّة، بيد أن القارئ بتأثره بتلك الوقائع خاصةً حادثة موت “هيفاء وتبعتها صديقتها سعاد” يتمنى لو أن الكاتب قد استطال بحرفه الذي يشد انتباه قارئه حوادث المأساة، لكن أيضًا فكرة عدم الاستطالة لدى الكاتب وشرحه بالأهم والأعمق فيما رأينه يحتسب له وبقوة، وهذا من رأي قارئ لا أكثر، خاصةً القراء الذين لا يستلطفون الإطالة التشبيهية، والاستعارات وغيرها مما يوظّف الكلمات لزيادة الحدث رهبةً، أو بؤسًا أو غيره من المشاعر.
    ومن ضمن النقاط التي تُسجّل للكاتب: تنقله بين القَصص التي سردها واحدة بعد أخرى دون أن يشتت القارئ، وإنما وظّف ذهن القارئ معه وشيّد خياله ليسير معه في كل حرفٍ دوّنته محبرته.

كذلك طريقة سرد الكاتب للقضية في محاولة تهريب الأثارِ حتى الإمساك بالشبكة المهرّبة تدوّن له كنقطة تضاف في رصيده، فهو ممن لا يطيل ولكنه يأتي باللُّب وصلب الموضوع، إلّا أن هواة التفاصيل شعروا بخيبة أمل عند وصولهم لنهاية الكتاب، إذ أن حرفًا كحرف كاتب رواية “مجنون المدينة” لا يُمل في هكذا روايات.

زر الذهاب إلى الأعلى