تتمسك المملكة العربية السعودية بمنطق الوسيط بين الأطراف اليمنية، ولا تقدم نفسها طرفًا في هذا الصراع الجاري بهذا البلد العربي المنكوب، نتيجة انقلاب مليشيات الحوثي المدعومة إيرانيًا على السلطات الشرعية في صنعاء قبل سنوات.
يأتي ذلك، بينما كانت المسألة اليمنية المعيار الأهم في الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين، الذي وُقّع في مارس/آذار عام 2023.
بعد ذلك، لم تتوانَ طهران عن كبح جماح الحوثيين الانقلابيين، ومنعهم من استهداف الأراضي السعودية، بل وإجبارهم على استقبال سفير خادم الحرمين الشريفين محمد آل جابر في القصر الجمهوري بصنعاء المحتلة في رمضان قبل الماضي، وتسابق وقتها قادة الجماعة الحوثية على التقاط الصور مع السفير السعودي الزائر. ثم أوعزت طهران إلى الحوثيين من أجل زيارة الرياض، وجاء وفد حوثي إلى العاصمة السعودية، وجلسوا بحضرة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان وقتها، وكانت الصور المنشورة خير تعبير على تنفيذ الحوثيين لكل مطالب إيران، بصفتها الآمر الناهي لهم.
أما زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي المختبئ في كهوف مران بصعدة، فإنه تجنب مهاجمة السعودية في خطاباته الجوفاء والمتكررة آنذاك، وأصبح رئيس وفد مفاوضات المليشيات محمد عبدالسلام فليتة، يصف السعوديين بالأشقاء، ويضفي على ذكرهم معسول الكلام، ويتحدث عن السعودية كدولة شقيقة وجارة.
لكن أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، أجبرت إيران على استعمال الورقة الحوثية مجددًا، من خلال عمليات قرصنة عبثية في مياه البحر الأحمر ومضيق باب المندب، بحجة مساندة جبهة غزة، لكن في الواقع تضررت قناة السويس المصرية بالدرجة الأولى، فضلًا عن خسائر مماثلة لموانئ السعودية والسودان والأردن وغيرها من الدول العربية المشاطئة للبحر الأحمر.
ونأت السعودية بنفسها – كما أغلب دول الخليج العربي والمنطقة – عن تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية عملية حارس الازدهار، المعنية بمواجهة الهجمات الحوثية، وطالبت السعودية الأطراف بضبط النفس، في سيناريو سياسي ذكي، يذكر العالم بكلام الإدارة الأمريكية الموجه للسعودية والتحالف العربي إبان عملية مكافحة إرهاب الحوثيين في اليمن.
لكن خلال الأيام القليلة الماضية، عاود الحوثيون هجومهم الكلامي على السعودية، وذهب زعيم المليشيات عبدالملك الحوثي إلى ما هو أبعد من ذلك، حين هدّد بإعادة قصف المنشآت الحيوية المدنية في السعودية، بما فيها المطارات والموانئ والبنوك.
وبحسب مراقبين للمشهد اليمني، فإن الأسباب التي دفعت الحوثيين ومن خلفهم إيران إلى ذلك، تتلخص بإجراءات فعلية اتخذتها السلطات اليمنية في العاصمة المؤقتة عدن، عبر نقل كامل لعمليات البنك المركزي اليمني، ومنع شركات الصرافة والبنوك المحلية من التعامل مع الهيكلية المالية المشبوهة تحت سلطة الحوثيين.
هذا الأمر أصاب الحوثي بمقتل، وأسهم في خنق المليشيات من حيث تجفيف المنابع المالية للدعم، ما جعل الحوثيين يستشيطون غضبًا، بعد قرار الجهات السعودية المختصة منع أي تحويلات مالية من داخل المملكة العربية السعودية إلى مناطق تحتلها مليشيات الحوثي منذ سنوات.
وفي الوقت نفسه، اعتبرت طهران إحجام السعودية وشركاتها عن أي تعاون تجاري أو اقتصادي مع إيران أمرًا غير مقبول، فوزير اقتصاد طهران قال، قبل أيام، إن العقوبات الأمريكية على إيران تحول دون أي توافق اقتصادي مع الشركات السعودية الخاصة والعامة.
ومن أجل تفكيك المشهد والحصول على معرفة تامة، لا بد من معاينة ما تفعله الصين بالمقابل، فهي تستثمر داخل السعودية أكثر من 22 مليار دولار في أقل من 6 سنوات، بينما يبلغ حجم الاستثمارات الصينية كلها داخل إيران أقل من 613 مليون دولار، وهو رقم متواضع، إذا قورن بمجموع الاتفاقيات الموقعة بين الصين وإيران.
والخلاصة التي أود من القارئ الكريم فهمها، هي أن المليشيات أدوات، مهما كانت مسمياتها، وبالنسبة لإيران فإن المليشيات عبارة عن استثمار رخيص بعوائد كبيرة. وحجم الفساد الذي يتمتع به الحوثيون، تحدثت عنه صحف غربية من خلال عشرات الفنادق والمطاعم التي يملكها قادة الجماعة الانقلابية في العراق ولبنان وغيرهما من الأوطان الرازحة تحت نير احتلال الحرس الثوري الإيراني.