تشهد محافظة البيضاء في اليمن صراعاً تاريخياً يعكس روح التحدي والمقاومة التي تتسم بها هذه المنطقة، التي لطالما وقفت ضد مشاريع الظلم والاستبداد، وتعد منطقة حنكة آل مسعود إحدى أبرز المحطات التي شهدت ملحمة صمود أسطورية أمام العدوان الحوثي، هذا العدوان الذي لم يقتصر على السيطرة بالقوة، بل امتد إلى انتهاكات طالت الأطفال والنساء، ومحاولات لطمس هوية المنطقة الجمهورية التي تقلق مضجع الحوثيين منذ قرون.
تقع محافظة البيضاء وسط اليمن، وتتمتع بموقع استراتيجي جعلها محط أطماع قوى مختلفة عبر التاريخ، لكن ما يميز البيضاء ليس موقعها فقط، بل إرثها المقاوم، الذي جعلها دائماً داعماً كبيراً للجمهورية، منذ أيام الإمام يحيى حميد الدين، كانت البيضاء شوكة في خاصرة الإمامة، حيث قادت قبائلها، وفي مقدمتها قبائل آل مسعود، انتفاضات ضد الظلم والطغيان.
هذا الإرث المقاوم ظل حاضراً في كل مراحل النضال اليمني، فالبيضاء لم تكن فقط رقعة جغرافية، بل كانت رمزاً لجمهورية تنشد الحرية والكرامة، ومع اندلاع انقلاب الحوثيين في 2014، أدركت المليشيات أن السيطرة على البيضاء ليست خياراً، بل ضرورة لكسر الإرادة الجمهورية؛ حنكة آل مسعود ليست مجرد منطقة جغرافية، بل هي نقطة تحول في صراع البيضاء ضد الحوثيين، عُرفت هذه المنطقة بصمودها الأسطوري الذي أوقف تمدد المليشيات، وشكل درعاً جمهورياً في وجه مشاريع الإمامة المتجددة، حينما سعت المليشيات الحوثية إلى فرض سيطرتها على البيضاء، كانت حنكة آل مسعود من أولى المناطق التي تصدت لهذا المشروع، واجه أبناؤها، بأسلحة بسيطة وإرادة قوية، آلة الحرب الحوثية المدججة بالسلاح تحولت المنطقة إلى ساحة معركة كشفت عن شجاعة لا توصف، حيث وقف رجالها ونساؤها وحتى أطفالها دفاعاً عن أرضهم وهويتهم.
مع إدراك الحوثيين لصعوبة السيطرة على البيضاء بالقوة العسكرية وحدها، لجأوا إلى أساليب وحشية لمحاولة إخضاع المنطقة، وحنكة آل مسعود كانت شاهدة على هذه الجرائم التي ارتكبتها المليشيات بلا هوادة، حيث
شنت المليشيات قصفاً عشوائياً على حنكة آل مسعود، مما أدى إلى تدمير واسع للمنازل والمزارع، وتهجير العائلات، وتدمير البنية التحتية البسيطة التي يعتمد عليها السكان لم تسلم من هذا العدوان، حيث استهدف الحوثيون المدارس والمستشفيات والمساجد، في محاولة لقطع شريان الحياة عن المنطقة؛ ولم تكتفِ المليشيات باستهداف المقاتلين، بل تجاوزت ذلك إلى المدنيين العزل، الأطفال والنساء كانوا ضحايا مباشرون لهذه الجرائم، حيث شنت المليشيات هجمات أدت إلى سقوط عشرات الشهداء والجرحى، معظمهم من المدنيين، كما وثقت تقارير محلية ودولية حالات اعدامات واختطاف واعتقالات طالت نساءً وأطفالاً في المنطقة.
الجدير بالذكر أن الحوثيون استخدموا سياسة الحصار كأداة لتركيع السكان، حيث قطعت المليشيات الإمدادات الأساسية عن حنكة آل مسعود، مما تسبب في تفاقم الأوضاع الإنسانية، ومع ذلك أظهر أبناء المنطقة صموداً استثنائياً، حيث تكاتفوا لمواجهة هذا التحدي، مؤكدين أنهم لن يخضعوا مهما بلغت التضحيات؛ لم تكن البيضاء فقط ساحة معركة عسكرية، بل شكلت هاجساً دائماً للحوثيين منذ انقلابهم، فهذه المحافظة تمثل عائقاً كبيراً أمام مشروع الجماعة الذي يسعى لإحياء النظام الإمامي بصورته الجديدة، ويعود هذا القلق إلى الأبعاد التاريخية والجغرافية والاجتماعية للمنطقة، حتى أيام الإمام يحيى كانت البيضاء في مقدمة المحافظات الرافضة لهيمنة النظام الإمامي فسجلت المنطقة انتفاضات متكررة ضد هذا النظام، وكانت بمثابة القاعدة التي انطلقت منها العديد من الحركات المعارضة؛ مثلما وضحنا سابقاً أن الموقع الاستراتيجي لمحافظة البيضاء يمثل نقطة ربط بين الشمال والجنوب، مما يجعلها مركزاً حيوياً لأي قوى تسعى للسيطرة على اليمن؛ لذا فإن فقدان السيطرة على البيضاء يعني خسارة الحوثيين للقدرة على التحكم في خطوط الإمداد والتواصل بين معاقلهم، ويدرك الحوثيون أن السيطرة على هذه المحافظة تعني القضاء على أحد أهم معاقل الهوية الجمهورية في اليمن.
حنكة آل مسعود لم تكن مجرد مواجهة عسكرية، بل كانت ملحمة إنسانية أكدت أن إرادة الشعوب أقوى من أي آلة حرب، فعلى الرغم من القصف والتدمير والتشريد، أظهر أبناء المنطقة صموداً تجاوز حدود الجغرافيا، حيث أصبحت قصتهم مصدر إلهام لكل من ينشد الحرية والكرامة، اليوم تظل البيضاء عموماً، وحنكة آل مسعود خصوصاً، شاهداً على أن الجمهورية اليمنية ليست فكرة يمكن أن تموت، فهي إرث يعيش في قلوب اليمنيين، يتوارثونه جيلاً بعد جيل.
رغم الصمود الأسطوري، الذي أظهرته البيضاء وحنكة آل مسعود فهناك تحديات كبيرة في ظل استمرار العدوان الحوثي وبعده، فالأوضاع الإنسانية تزداد سوءاً، والبنية التحتية تحتاج إلى إعادة بناء، والمجتمع المحلي بحاجة إلى دعم كبير لتجاوز هذه المحنة الحوثية؛ ومع ذلك يبقى الأمل موجوداً، فإرادة السكان ورغبتهم في الدفاع عن أرضهم وهويتهم كفيلة بتجاوز هذه التحديات، ويعول أبناء البيضاء على اليمنيين كافة في مواصلة النضال حتى تحرير كامل المناطق من قبضة المليشيات.
حنكة آل مسعود ليست مجرد منطقة تعرضت للعدوان، بل هي قصة كفاح تلخص معاناة اليمن وصموده في وجه المشروع الحوثي، ومع كل التحديات تظل البيضاء رمزاً للجمهورية وأملاً لمستقبل أفضل، ملحمة الصمود التي جسدتها هذه القبيلة تؤكد أن العدوان، مهما بلغ بطشه، لا يمكن أن ينتصر على إرادة شعب حر فاليمنيون، بصلابتهم وصمودهم، قادرون على إعادة كتابة تاريخهم، ليظل اليمن جمهورياً حراً، كما حلم به آباؤنا وأجدادنا.