التعليم في اليمن من نور المعرفة إلى ظلام الأيديولوجيا الحوثية

في لحظة ما كان اليمن له ميراثاً ثقافياً وتعليمياً نفخر به في المنطقة العربية، من مدارس وجامعات ومعاهد تخرج منها علماء وأدباء ومهندسون، وأُطر تعليمية مشهود لها بالكفاءة، لكن للأسف في ظل الحروب المستمرة والدمار الذي تشهده اليمن أصبح التعليم في اليمن ضحية لأيديولوجيات قاتلة، من أبرزها تلك التي جلبتها المليشيات الحوثية تحت شعار “التحرير” و”الهوية الإيمانية”، وجدت الأيديولوجيا الحوثية في مدارس الأطفال أرضاً خصبة لنشر أفكارها التي لا علاقة لها بما هو علمي أو تربوي.
في الماضي القريب جداً كانت المدارس اليمنية مكانا للعلم والمعرفة والتعليم، والتلاميذ كانوا يسعون نحو التحصيل العلمي النافع لا السعي وراء الأيديولوجيات التي تملأ الساحة اليوم، ولكن مع وصول (انقلاب) مليشيا الموت والدمار الحوثية إلى سدة الحكم في مناطق شاسعة من اليمن، أصبح التعليم أداة لصنع جيل “نقي” حسب معاييرهم، ليس جيلاً يهتم بتحصيل العلوم التي تنفعه بحياته، بل جيلاً مدفوعاً بنظريات دينية متطرفة لا علاقة لها بمناهج التعليم الحديثة، هذه كانت بداية الانحدار في العملية التعليمية باليمن، فبدلاً من أن يكون الطفل والشاب اليمني منشغلاً بالرياضيات والكيمياء والفيزياء والعلوم الاجتماعية والإنسانية أصبح غارقاً في ملازم السيد الحربية وأغاني الموت.
ما يحدث في اليمن اليوم ليس سوى نسخة مكررة من السيناريوهات التي شهدتها دول أخرى تحت سيطرة جماعات أيديولوجية، ففي لبنان على سبيل المثال، استغلت جماعة “حزب الله” المراكز التعليمية لنشر فكرها الطائفي، ومدارس ومراكز تعليمية صارت مجرد بؤر لتجنيد الشباب وتوجيههم نحو الأيديولوجيا الخاصة بهم، نفس الشيء تكرر في العراق بعد سيطرة الجماعات الشيعية على بعض المناطق، حيث تمت “تشييع” المناهج التعليمية بشكل مكثف، ليصبح الجيل الجديد ضحية هذا التوجه الذي كان الهدف منه تأصيل السلطة السياسية والدينية في أذهان الأطفال والشباب، بدلاً من تدريبهم على التفكير النقدي والبحث العلمي، والمؤسف أن مليشيا الحوثي في اليمن سارت على نفس النهج، بل ربما تفوقوا في بعض الأحيان في نشر الجهل وطمس الهوية الوطنية، ففي المناطق التي يسيطرون عليها، أصبحت المدارس محطات لإعادة برمجة العقول، حيث يُضاف إلى المناهج التعليمية قصص بطولات الجماعة و”الهالك” حسين الحوثي، والمصيبة الأكبر أن معظم هؤلاء التلاميذ لا يعرفون ما المغزى من ملازمهم ولا يفقهون لكثير من المفاهيم فقط الموت، هل يُعقل أن تلاميذ الابتدائية يتعلمون على كيفية استخدام الأسلحة بدلاً من تعلم مهارات القراءة والكتابة والحساب.
الذي يثير الاستهجان أكثر هو أن هذه المناهج لم تقتصر فقط على التعليم الابتدائي أو الثانوي، بل امتدت لتشمل الجامعات أيضاً، حيث أصبح من العادي أن يتم تدريس المواد الدينية الطائفية بشكل إجباري، مع استبعاد المواد العلمية التي لا تتوافق مع أيديولوجيا الحوثيين، هذه الخطوات تُحيل الجامعات اليمنية إلى مراكز لدروس الفقه الطائفي بدلاً من كونها مراكز للبحث العلمي ومصدر تنوير للمجتمع أصبحت مصدر خوف وقلق لما يدرس فيها من قذارة طائفية وعنصرية مقيتة وخرافات وأفكار بائدة لا مكان لها في مجتمعنا اليمني.
للأسف لقد نجحت مليشيا الحوثي الإرهابية في جعل التعليم في بلدي اليمن أداة لتدمير عقول أطفالنا وشبابنا في المدارس والجامعات والمعاهد، وجعلت منه وسيلة في خدمة مشروعها السياسي القذر وأفكارها الدينية العنصرية والطائفية الخبيثة، فلا تربية ولا تعليم بل تدجين وتدمير، والكارثة الأكبر هي أن ذلك يأتي في وقت كان اليمن في أمسّ الحاجة إلى نهضة تعليمية تواكب التقدم الذي يحققه العالم، لكن هذه المليشيا جعلت من الظلام الفكري وسيلة للسيطرة على الشعب اليمني، ومازالت تزرع الكره والعنف بكل قبح وخبث، والمقلق حقاً أن التعليم في اليمن قد لا يكون في خطر بل في “حروب”، وحروب ليست على الأرض فقط بل على عقول الأجيال القادمة، وإذا استمر الوضع كما هو عليه فإن اليمن سيواجه جيلاً ضائعاً، لا يحمل من العلم سوى الاسم ولا من المعرفة سوى الواجهة؛ السؤال الذي يطرح نفسه هل لهذه المليشيا من نهاية؟