
يمن الغد – تقرير
تثير العمليات التي توجهها ميليشيا الحوثي للترسانة العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، التساؤلات حول جدوى الضربات الأمريكية المتعاقبة، وتأثيراتها في قدرات “الحوثيين” العسكرية، وما إذا كان ذلك دليلًا على محدودية العملية العسكرية الأمريكية في تحجيم قدرات الميليشيا الصاروخية والجوية.
وتواصل ميليشيا الحوثي في اليمن، تنفيذ العمليات العسكرية باتجاه الترسانة العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر، بالإضافة إلى ضرب أهداف أخرى في العمق الإسرائيلي، في ظل هجمات أمريكية متكررة تصاعدت حدة وتيرتها بشكل كبير منذ استئناف عملياتها العسكرية منتصف الشهر الماضي.
تأثير واضح:
وفي هذا الصدد، يقول الخبير في الشؤون العسكرية وتكنولوجيا النقل البحري الدكتور علي الذهب، “لا يمكن قياس الهجمات الحوثية المتواصلة، على أنها عجز للهجمات الأمريكية عن تقويض قدرات الحوثيين، لأن هناك تأثيرًا واضحًا على قدرات الميليشيا، لكن في المقابل هناك استمرار لنشاط تهريب الأسلحة من منافذ برية وبحرية”.
ويرى الذهب، في حديثه لـ”إرم نيوز”، أنه “من الصعب تقويض قدرات ميليشيا الحوثيين في مجال الصواريخ على نحو مطلق، كون الميليشيا اعتمدت استراتيجية محكمة لتوزيع هذه الصواريخ في مخابئ جبلية، حيث أنشأت مستودعات جديدة تحت الأرض موصولة بشبكات من الأنفاق في بطون الجبال وأراضي مناطق قابلة للإخفاء والتمويه سواء جبلية أو في الغابات”.
ويضيف أن “الضربات الأمريكية أثرت في قدرات ميليشيا الحوثيين على نحو كبير، بدليل تراجع وتيرة هجماتها العسكرية السابقة، بشكل كبير من حيث العدد ومن حيث تباعد الفترات الزمنية بين كل هجوم وآخر، مقارنة بعملياتها السابقة التي كانت تشهد كثافة في عدد الصواريخ إلى جانب عدد من المسيرات خلال الهجوم الواحد، وبالتالي التأثير واضح”.
الدعم الإيراني:
وأشار الذهب، إلى أن هناك نقطتين مهمتين يجب أخذهما بعين الاعتبار، “تكمن الأولى في وجود مخزون كبير ومحمي من الصواريخ، من الهجمات سواء بطريقة التوزيع أو النقل أو التخزين، وتفرق مواقعها، أما النقطة الأخرى، فتتمثّل في استمرار خطوط تهريب الأسلحة الإيرانية، بدليل عمليات إحباط وضبط تهريب بعض الشحنات من الأسلحة في المحافظات الساحلية، إضافة إلى القبض على العديد من خلايا التهريب”.
واستطاعت ميليشيا الحوثي على مدار سنوات سابقة تطويع البيئة الجغرافية الجبلية التي تمتاز بها المدن والمحافظات اليمنية ولا سيما الشمالية في مناطق نفوذها، من خلال تحويلها إلى مخازن وتحصينات وملاجئ تخفي وتحمي ترسانتها العسكرية فيها، وذلك عبر إنشاء شبكات أنفاق واسعة في أعماق الجبال وخنادق ذات ممرات طويلة في باطن الأرض.
شبكة أنفاق:
وفي هذا الإطار، يقول الصحفي الاستقصائي جهاد محسن، إن “ميليشيا الحوثي استطاعت الاحتفاظ بمجموعة من الصواريخ ومنصات الطيران المُسيّر، من خلال حمايتها وتمريرها عبر إنشاء وتحديث شبكة ممرات أرضية وأنفاق جبلية، منذ سنوات”.
ويضيف محسن، في حديثه لـ”إرم نيوز”: “حيث كانوا يعلمون -أي الحوثيين- أنها قد تكون عرضة للاستهداف بأي وقت، لذلك عملوا، بالاستعانة مع خبراء من إيران وحزب الله ومنذ وقت مبكر، على تطوير شبكة واسعة من الأنفاق والممرات الأرضية، وتحصين منظومة الصواريخ والطيران المُسيّر التي يملكونها بمساعدة طبيعة التضاريس الجبلية الصعبة والمعقدة في مناطق، مثل صعدة، وعمران، وصنعاء”.
ويشير محسن، إلى أن “تأثير الضربات الأمريكية كان واضحًا، في حدود المناطق المفتوحة التي استهدفتها، ولا سيما في محافظة الحديدة الساحلية، بالإضافة إلى جزيرة كمران، التي كانت تستخدم كمركز عمليات واسعة يتم من خلالها استهداف ممرات البحر الأحمر”.
وأضاف: “مقارنة بالمناطق الجبلية المعقدة، التي تعتبر من أهم مستودعات تخزين السلاح والصواريخ التي لم تتمكن الضربات الأمريكية حتى الأن من إحداث أثر بالغ في تدميرها بشكل كامل”.
بنية عسكرية معقدة:
من جهته، يرى محلل الشؤون الأمنية عاصم المجاهد، أن: “هناك حزمة من العوامل الاستراتيجية والتكتيكية والجغرافية، التي تُفسر عدم تحقيق الضربات الأمريكية، الممتدة على مدى 7 أسابيع، أثرًا حاسمًا في قدرات ميليشيا الحوثيين العسكرية، رغم كثافتها واستمرارها”.
ولخّص المجاهد، هذه العوامل في مجموعة نقاط، أهمها “غياب ميليشيا الحوثيين عن سلم الأولويات الأمريكية لفترة طويلة، حيث لم تكن واشنطن ترى أنها تُمّثل تهديدًا استراتيجيًّا مباشرًا لها، وبالتالي لم تكن ضمن نطاق الاهتمام العسكري والاستخباراتي الجاد، إذا كانت جهود الولايات المتحدة تصب باتجاه محاربة تنظيم القاعدة فقط”.
وألمح المجاهد، إلى أن: “هذا التأخر الأمريكي في إدراك تهديد ميليشيا الحوثي، أتاح للجماعة فترة زمنية كافية لتطوير بُنية عسكرية معقدة ومنظومات دفاعية هجينة، دون أن تتعرض لضغوط مستمرة أو ضربات استباقية”.
عوامل الجغرافيا:
وأضاف المجاهد: “كما لعب العامل الجغرافي دورًا مهمًّا لمصلحة ميليشيا الحوثيين”، مبينًا أن “الطبيعة الجبلية الوعرة والمناطق النائية في شمال اليمن، تُشكّل بيئة مثالية للاختباء والمناورة؛ ما يجعل عمليات الرصد والاستهداف الجوي معقدة بشكل كبير، حتى مع امتلاك الولايات المتحدة أدوات استخباراتية وتقنيات متقدمة”.
ولفت إلى أن “استيلاء ميليشيا الحوثيين على مؤسسات الدولة ومخازن أسلحتها منحها ترسانة ضخمة من العتاد والخبرات، وشكّلت ركيزة أساسية في بناء قدراتها الصاروخية، إضافة إلى امتلاك بنية تصنيع وتجميع داخلية قادرة على التكيّف مع أي خسائر”، مشيرًا إلى أن: “الأهم هو دمج تكتيكات حرب العصابات مع تكتيكات الحرب النظامية جعلهم يخرجون بتكتيكات هجينة تمكنهم من التخفي والتمويه”.
تحصينات طبيعية:
بدوره، قال المحلل العسكري والخبير الاستراتيجي العميد الركن محمد الكميم، إن “مناطق الحوثيين تتميز بتحصينات طبيعية ضخمة، وهو ما يعد أحد العوائق أمام فاعلية الضربات الأمريكية”.
ولفت الكميم، إلى أن “الجغرافيا التي تُقاتل فيها الميليشيا الحوثية شاسعة وصعبة، وتتحصن بجبال طبيعية كذلك، حيث استخدمت الكهوف والمغارات التي كانت موجودة منذ أيام الجيش اليمني السابق، وبعضها تم تطويره خلال هذه الفترة”.
وأردف، أن”مساحة محافظة صعدة وحدها تبلغ 15 ألف كيلومتر مربع، فيما تبلغ مساحة مديرية واحدة كـ(حرف سفيان) شمالي محافظة عمران، حوالي 3500 كيلومتر مربع، في حين أن مساحة جنوب لبنان بالكامل لا تتجاوز ألف كيلومتر مربع، وهو ما يجعل الضربات الأمريكية لا تزال في بداياتها”.
وخَلص الكميم، إلى “أن الضربات الأمريكية قوية وتُعتبر ذات دقة عالية، إذ توسعت الأهداف لتشمل كامل مسرح العمليات الحربية، حيث تتواجد ميليشيا الحوثيين” وفق تعبيره.