انتهاكات ممنهجة ضد المرأة في اليمن


بقلم/ شيماء علي
منذ اندلاع الحرب في اليمن عام 2015 وإلى عامنا هذا 2025، والمرأة اليمنية تدفع الثمن الأكبر في ظل واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث تُعاني المرأة من تدهور الأوضاع المعيشية، وتفشي الفقر، والنزوح القسري، وانهيار الخدمات الأساسية، لكنها فوق ذلك واجهت ومازالت تواجه انتهاكات ممنهجة لحقوقها، طالت الجسد والكرامة والحياة نفسها، وقد تنوعت الانتهاكات بين العنف الجسدي والنفسي، والعنف الجنسي، والاحتجاز التعسفي، والتعذيب، والإخفاء القسري، في ظل إفلات شبه كامل من العقاب، وغياب منظومة قانونية توفر الحماية أو العدالة؛ لم تكن المرأة مجرد ضحية عارضة لهذه الحرب المدمرة بل جرى استخدامها أحياناً كأداة ضغط سياسي أو وسيلة ابتزاز، وخاصة في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، التي وثّقت منظمات حقوقية عدة حالات فيها لاعتقال ناشطات وصحفيات وعاملات في المجال الإنساني، تعرضن فيها للتعذيب والتشهير والمساومة على إطلاق سراحهن مقابل تنازلات أو صمت، وهناك العديد من القصص التي وردت على لسان الناجيات من سجون الحوثي، حيث قالت إحدى الناشطات التي تم اعتقالها في صنعاء وتم الإفراج عنها بعد أشهر من الإخفاء (كل ما فعلته هو تنظيم حملة تطالب بالإفراج عن معتقلين، وبعدها تم اختطافي من الشارع واتهموني بالخيانة وتعرضت للإهانة والضرب والتهديد بنشر صور شخصية التُقطت لي سراً داخل الزنزانة)، مثل هذه الشهادات لم تعد نادرة بل تمثل نمطاً متكرراً من الاستهداف الممنهج للنساء اللاتي يحاولن لعب دور عام في مجتمعاتهن، وهو ما أكدته تقارير صادرة عن منظمات دولية، من بين هذه التقارير ما أوردته منظمة Human Rights Watch والعفو الدولية.
ولا تقتصر الانتهاكات على مناطق سيطرة الحوثي فالمليشيا منهجها واحد، فهناك نساء يتعرضن للظلم في جنوب اليمن في مناطق المجلس الانتقالي يتعرضن لأنماط مختلفة من الانتهاك، مثل: التهديد والقمع والحرمان من حرية التنقل والعمل، خاصة في ظل الانفلات الأمني وضعف المؤسسات القضائية، أما في مخيمات النزوح حيث تقيم آلاف الأسر التي فرّت من مناطق المواجهات فالوضع أكثر هشاشة، وهناك الكثير من التقارير الصادرة عن وكالات أممية تفيد بأن المرأة تشكل النسبة الأكبر من النازحين ويواجهن هناك أخطاراً متزايدة، تشمل الزواج المبكر، والاستغلال الجنسي مقابل الغذاء أو الخدمات، إضافة إلى العنف المنزلي، في ظل انعدام الحماية القانونية أو آليات التبليغ؛ تروي سيدة نازحة في أحد المخيمات بمحافظة الحديدة كيف طُلب منها تزويج ابنتها ذات الثلاثة عشر عاماً، مقابل كيس من القمح، حيث تقول بأسى (كنا نعيش بكرامة والآن نساوم على بناتنا لنأكل)، هذه القصص المؤلمة تتكرر يومياً، في الوقت الذي لا يوجد فيه مؤسسات دولة للتدخل، والمنظمات الإنسانية، بل هناك منظمات نسوية محلية تم محاصرتها ومحاصرتها وتهديدها لمنعها من التوثيق أو تقديم الدعم.
ورغم خطورة الوضع لا يزال المجتمع الدولي يتعامل مع هذه الانتهاكات بفتور دون تحرك جدي لضمان مساءلة الجناة أو وضع آليات حماية فعالة للمرأة اليمنية، وقد شجع غياب العدالة هذه الأطراف المتنازعة على المضي في سياسات القمع فيما تبدو المرأة اليمنية وكأنها محاصرة بين أكثر من عدو: الحرب، والفقر، والعنف، والصمت، في المقابل تحاول نساء كثيرات الصمود ومقاومة الواقع من خلال العمل في مجالات الدعم النفسي والحقوقي وتقديم المساعدة للضحايا، لكن في ظل بيئة معادية فإن قدرتهن على إحداث فارق تبقى محدودة ومهددة باستمرار.
ما يجري في اليمن بحق المرأة ليس مجرد آثار جانبية للحرب بل هو نمط من الانتهاكات المنظمة التي تستهدف تقويض دور المرأة وحرمانها من أبسط حقوقها، وبينما تستمر الحرب تتآكل المكاسب القليلة التي كانت قد تحققت سابقاً في مجال تمكين المرأة، ويبدو أن الطريق نحو استعادة كرامتهن وحقوقهن سيظل طويلاً ما لم يتحول الصمت الدولي إلى موقف وما لم تُجبر أطراف الصراع على احترام القانون الإنساني وحقوق الإنسان، لا سيما حق المرأة في الحياة والأمن والعدالة.

•ناشطة حقوقية

Exit mobile version