تحت ظلال المملكة

 


السعودية الجديدة التي تنطلق بسرعة الريح نحو المستقبل وتضع مدماك أساسها كقوة صلبة في العالم بالتأكيد لن تروق لكثير من الدول العظمى تحركاتها، ذلك أن بلدان ترى نفسها سيدة العالم لا تريد للبلدان العربية عموماً والسعودية تحديداً أن تخرج من جلبابها بعد أن راقت لها المكاسب ودبلوماسية الهدوء لعقود طويلة.


وعندما نناقش الأمر بجدية علينا تجاوز الدور الذي تلعبه دولة قطر إذ لايمكن اعتبار دورها سوى زعيق نافر بالمال للنيل من المملكة وهو حقد يكبر ويخرج قبحه وقيحه يوماً بعد آخر للعلن فتترسخ القناعات أن كل الإجراءات ضدها من السعودية كانت صحيحة ولازمة لجارٍ مؤذنٍ يتلبسه شيطان بالرضاعة .


ولعل اللافت هنا أن هذا الهذيان ضد المملكة حقق لها مكاسب لم تكن في حسبان الجار القريب قبل الأشقاء والأصدقاء الذين اختاروا الصمت والتشفي، بعد أن قوت عضده وجبهته الداخلية وخلقت تعاطف وثقة بالقيادة وتفويض مفتوح للسير في طريق المستقبل.


إن ما يجب النظر إليه هو السعودية الجديدة التي تحمل رؤية الغد وترسم لوحة دولة يقف في ناصيتها الأمير محمد بن سلمان، شاب يحمل العزم ويكتب مصالح شعبه وبنيان دولته بعيداً عن الوصاية، اتخذ خطوات غاية بالأهمية لم تكن بالمطلق على هوى الدول الكبرى .


لقد نقلت السعودية الكثير من الصناعات العسكرية إلى الداخل وفتحت باب التصنيع والاستثمار وراحت تستثمر بأموالها في صناعات البتروكيماويات والمصب وهي خطوات تجعل الاعتماد على الداخل بعد أن كانت لعقود تستهلك مئات المليارات من شركات أجنبية.


كما أن السعودية التي ظهرت في مقابلة الأمير محمد بن سلمان مع بلمبورج كانت مختلفة، تعرف ما تريد بدقة وتقدم مصلحتها وشعبها وهو أمر مزعج بالتأكيد لشبكات مصالح وشركات ترى أن تبخر مصالحها يجعلها في حالة هيجان وتشنج.


ولعله من المناسب الإشارة إلى أن تأجيل طرح 5% من أسهم شركة أرامكو للبيع يدل على قدرة في المناورة واللعب على ميزان الاقتصاد والسياسة.


لقد اتخذت السعودية استراتيجيتها الجديدة ولديها عديد خيارات وبدائل من موقع تأثيرها بالاقتصاد العالمي وآفاقها السياسية في العالم ومن أراد النيل منها سيكون بالتأكيد يدفن مصالحه ويطعن نفسه قبلها.


لقد تركت المملكة القوى الكبرى أمام اختبارات حقيقية وتحديات بثقة متناهية وحملتها المسؤولية لأي تداعيات قد تسببها أية قرارات متهوره ولعل سعر النفط الذي يحتمل ارتفاعه إلى أرقام قياسية هي من تتحمل تبعاتها في حال قررت ذلك.


يدرك العالم الذي كان يستخدم عديد ملفات لابتزاز المملكة طوال الفترة الماضية أن المملكة العربية السعودية قطعت مشوار في الإصلاحات بطريقة آمنة وبحكمة وثبات وعندما خسرت تلك الدول رهانها وخابت حساباتها في أن تلك الإصلاحات كفيلة بتفكك المملكة ومواجهتها الأزمات الداخلية راحت تختلق الحجج وتصنع الأزمات لكبح جماح انطلاق مارد خرج للنور ومن المحال أن يعود إلى قمقمه أو يذعن للتهديدات والتلويحات بالعقوبات.


دعوا قضية جمال خاشقجي جانباً فهي ليست سوى مبرر للتعبير عن الامتعاض من بروز نجم جديد في سماء العالم باستقلالية دون أخذ الإذن وصك الغفران ،وهناك فريق تحقيق (سعودي – تركي ) تسلم مهمة كشف الحقائق في القضية ومن الطبيعي التريث ليقول كلمته وليس استباق الأحداث.


الأمر أكبر من ذلك فالهدف قتل روح معنوية طموحة تنقش في جبين الشمس دولة أصبح تجاوزها صعب ومحاولة النيل منها وتقليم أظافرها غير ممكن إن لم يكن مستحيلاً لإعادتها في جلباب من يرى نفسه الاب والوصي ومن يحدد لها ما تفعله وما لا تفعله.


لقد خلقت الأحداث الاخيرة الحاجة الماسة لبناء جدار عربي- أفريقي-إسلامي يستند عليه لصد طوفان يريد أن يسحق آخر الحصون العربية الإسلامية الصلبة.


كما كشفت لنا هذه التداعيات والابتزاز كم كانت الرؤية صائبة عندما خلقت المملكة تكتلات مبكرة كالتحالف الإسلامي لمواجهة الاٍرهاب والتطرف والتحرك الدبلوماسي والسياسي لإعادة الاعتبار لمصر لمواجهة مؤامرات التفكيك والفوضى الخلاقة ضدها وإنقاذ البحرين وعودة جسور التعاون مع العراق وقطع يد إيران في اليمن وإلى فتح آفاق المصالحة والانفتاح وأنهاء صراعات امتدت لقرون بين بلدان القرن الأفريقي.


إن ذلك كله لا يمكن أن يمر دون دفع فاتورة وحساب بنظر من يَرَوْن أنفسهم أصحاب القرار السيادي في رسم مستقبل الخريطة الشرق اوسطية الجديدة.


في روايته تحت ظلال الزيزفون التي ألّفها الكاتب الفرنسي الفونس كار ركز على قيم الصدق، والعفوية، والبساطة، ودعا إلى التمسك بقيم الخير بخلاف قيم المجتمع المدني المادي، الذي يعتمد على النفاق، والغش، والتخلي عن القيم، والمبادئ من أجل الحصول على المال.


وهاهي المملكة العربية السعودية تدعوكم لنفس القيم وتحت ظلالها..


ومن لم يعتبر اليوم ويرى التحديات من البلدان العربية والأفريقية والإسلامية عموماً ويعمل على الالتفاف خلف السعودية وتحالفاتها سيجد نفسه بالغد وقد ابتلعته الأحداث وتاه في أنهار من الأمنيات وبحور من الفوضى.


فأي الطريقين تختارون؟


وفِي التاريخ دروس وعبر..


 


 

Exit mobile version