مقالات

العبث بالحرب

 


ثلاث سنوات حرب ضد الانقلاب, لاستعادة الشرعية, حرب طالت وتعقدت أمورها, وتشابكت مصالحها, نعم حررت بعض المناطق, وعجزت في استعادة الشرعية فيها, أو إرساء دولة أو شبه دولة بمؤسساتها الاعتبارية, لم تقدم نموذج سامي ونبيل لمناطق حررتها, بل جعلتها طارده ليس للشرعية فحسب بل أيضا للحياة الطبيعية, فوصفت بحرب عبثية.


العبثیة مدرسة فكریة في الفلسفة ترى أن ج?ود الإنسانیة في الوصول إلى الحقیقة الكامنة تفشل, حيث تجعل أمور الحياة جحيم.


العبثية هي عقلية مرضية تفتقد للحقائق, وتسيطر عليها الأوهام والإشاعات, تخلق فوضى عارمة فاقده للقيم والأخلاقيات والنظم والقوانين, وصفها الفلاسفة انتحارا, وهو عبث الإنسان في إنهاء حياته, والأكثر عبثية تقبل الشخص لهذا العبث والقبول بعدم وجود القيود الدينية والأخلاقية والنظام والقانون, انه جنون شيطاني.


العقلية العبثية تدعي التغيير وترفضه للذات, لا تتمكن من تحرير الذات وبالتالي مستحيل ان تحرر وطن, عبثية حقن السموم من كراهية وأحقاد, حشد وحشد مضاد, كم هائل من الأكاذيب والتلفيق والمناكفة, عبثية ألانا والأنانية والخصومة الفاجرة, عبثية التشرذم والتمزق وتعدد الولاء وخروج من طاعة النظام والقانون لطاعة الطغاة والمستبدين لتتشكل كيانات طارئة مليشيا تحت الطلب.


العبث افقد الحرب أهدافها الوطنية, فتحولت لعقاب الناس  والبسطاء منهم, ومرتع للمنافقين, والوطن لقمة صائغة للإطماع.


كثيرا من الأسئلة تراود الناس عن مستقبلهم, إلى أين يسير بنا هذا الركب من العبث؟!


الغير مقبول اليوم ما يحدث من إرهاب فكري وروحي وعقائدي, عبث مصدره عددا من الكيانات الطارئة, صنعت خصيصا للعبث, ولا تخضع للنظام والقانون والدستور, بنص المتهم برئ حتى تثبت إدانته, يستدعى بقرار من النيابة, وتقيد حريته بحكم قضائي أو أمر نيابي, لا هم دولة ولا يمكن أن يكونوا رجالها, على شكل عصابات تنتحل صفة الدولة.


اليوم المداهمات وزوار اليل, سلوك متاح يمارس ضد الخصوم, بل اقتحام المساجد وخطف ألائمة دون مراعاة لحرمة هذه المساجد أو مداهمة المساكن بطريقة مزعجة, ملثمون دون أن يعلنون عن هويتهم, في تشابه غريب وعجيب مع جرائم الاغتيالات, سلوك مثير للرعب ومهدد للسلم الاجتماعي وحياة الناس.


لازالت تراجيديا مسلسل الجرائم من اغتيالات وسيارات وعبوات مفخخة, جهارا نهارا في تحدي صارخ لحياة الناس وسلمهم الاجتماعي, تراجيديا القبض عن الخلايا والمجرمين متلبسين, وتتلاشى كالوهم في أروقة الأمن ودهاليز التحالف وعجز الشرعية, والضحايا تتزايد, من الشهيد المحافظ جعفر محمد سعد, وكوكبة من المقاومة الجنوبية وأئمة المساجد ورجال الأمن, والكل قابل أن يكون ضحية لرأي لا يعجب وكلمة حق في وجه سلطان جائر, سنوات تنطوي ونحن ننتظر محاكمة احدهم, ننتظر إنصافا للضحايا ليرسى العدل, في كوميديا تفعيل القضاء والنيابة, ونشاهد نشرة الأخبار, حركة قضائية وقرارات تعيين وتسوية مرتبات, اجتماعات متواصلة  لترتيب وضع القضاء والنيابة العامة, وتصريحات نارية لرجال الأمن تفجعك النياشين التي على أكتافهم وسخرية مفرداتهم.


الجميع ينادي بالكف عن الانتهاكات التي تمارس اليوم ولن تسقط بالتقادم, وسيتحملها المعنيون, انتهاكات تتبرأ منها الشرعية والتحالف, حينها القانون لن يحمي المغفلون.


المسئولية التاريخية لذلك في ضمير الشرعية والتحالف معا, والعلاقة بينهما, هم وحدهم القادرون على ضبط إيقاع الحياة السياسية والإدارية والخدمية للمناطق المحررة وكبح جماح المتهورون, التاريخ لا يرحم والله من وراء القصد.


 

زر الذهاب إلى الأعلى