جولة في مدينة الحديدة قبل زيارة غريفيث

 


انطلقت بنا السيارة في صباح الاثنين 19 نوفمبر من الدريهمي إلى قلب مدينة الحديدة، كانت الطريق مزدحمة برغم أن السفر كان مبكرا، المشاهد حولنا تبعث على الأمل وأن الحياة تنبض من جديد، وحركة المواطنين بالخط  تزاحم حركة سيارات المقاومة اليمنية..


أثناء تبادلنا أطراف الحديث كنا قد وضعنا محاذير لزيارتنا، فنحن إعلاميون.. ومن يفهم الحوثي..؟ فهو يتعامل مع الإعلاميين كأعداء في العاصمة صنعاء.. فما بالكم بالإعلاميين في جبهة الساحل الغربي.. ؟؟ ولو انفجر بنا لغم، فسيخرج عبدالملك الحوثي ومن باب البحث عن انتصار، يزعم أنه نفذ عملية نوعية (بطائرة مسيرة) .. قال سائق السيارة: فهمت الرسالة ..الطريق آمنة إلى وسط المدينة ..


أطلت الحديدة بروعتها، لكن جروحها الغائرة ظهرت بوضوح ونحن نجوب شوارعها المحررة، والصمت المخيف كان يتقطع بدوي القصف الوحشي .. قالوا :(هدنة) غير أنها مجرد تغطية لنزيف مدينة أدخلتها عصابة الحوثي غرفة الإنعاش وسكاكين المليشيات تواصل تمزيقها بوحشية.. حفروا في جسدها النابض الخنادق والانفاق.. زرعوا الألغام والعبوات الناسفة في مفاصل حياتها، حولوا المنازل إلى متاريس.. ووزعوا غرف النوم والطيرمانات على القناصة..  يا الله، ما ارحم الحديدة وأهلها..!! لقد حول الهمج (عروس البحر الأحمر) إلى مدينة أشباح، هجَّروا السكان من منازلهم بالقوة، واتخذوا من أجساد من تبقى دروعا بشرية.. همجية ليس لها مثيل..


تشق السيارة الشوارع بسرعة تجعلك تتوهم أنه يمكن لها أن تسبق رصاص القناصة وقذائف الهاون أو الدبابات والصواريخ الحرارية التي تطلقها المليشيات لاستهداف حياة المقاومة الوطنية أو زوار الحديدة.. الحوثيون يعيشون حالة من الهستيريا، يتصرفون بجنون ووحشية، فقد اعتبروا الحديدة بمثابة حوزة خاصة بهم تضاهي (قم ) في ايران ..وفجأة أصبح حراس الجمهورية وألوية العمالقة وأسود تهامة يتوغلون داخل المدينة أكثر فأكثر ..


وبرغم بصيص الأمل الذي يشع داخلك، إلا أنك تقف بذهول وأنت تشاهد كيف تطبق مليشيات الحوثي (سياسة الأرض المحروقة) في المدينة.. المساجد.. المنازل.. المحلات التجارية.. الورش.. محطات البترول.. المصانع.. الفنادق.. المدارس.. المستشفيات…. إلخ. كل هذه المنشآت تعني الحياة للحديدة، لكن الميليشيات قضت على كل شيء فيها حتى الميناء. فخراب ودمار داعش في بلاد الشام يكرره الحوثي في الحديدة وتعز بحماية دولية!!


وفي وسط هذا الركام والدمار والرماد والدماء والروائح الخانقة، تخيل أن أمامك يقف المبعوث الدولي، وبين المتاريس تقف طاولة مجلس الأمن.. بحماية الحرس الثوري الإيراني.. وإرهابيو حزب الله اللبناني.. فكل هؤلاء يذرفون دموع التماسيح على الحديدة، بل وصلت البجاحة في بعض المنظمات الدولية أن تولول على أطفال الحديدة، في الوقت الذي تجد على الواقع أنها تعمل على حرمانهم من المساعدات وظلت تكدسها في مخازنها حتى انتهت صلاحياتها ..


تسترجع ذاكرتك صوراً كثيرة لأطفال الحديدة الذين ماتوا جوعاً، فتتذكر دموع منسقة الشون الإنسانية وتصريحات الإرهابي حسن نصر الله، فتدرك فظاعة النفق المظلم الذي ينتظر مدينة الحديدة إذا قبل الجميع بالمقترحات المخيفة والحلول المستحيلة التي يروجها المبعوث الدولي.


ونحن نتبادل أطراف الحديث مع عدد من منتسبي المقاومة اليمنية عن مستقبل المدينة على ضوء التحركات والمبادرات الأخيرة، شعرنا بكارثية الحلول وبأن مآسي المدينة وأهلها ستطول كثيراً، لكن هذه الصورة القاتمة تبددت لدينا عندما وجدنا رجال المقاومة يردون علينا بثقة: (نحن على الأرض.. وأصحاب القول الفصل).


 


 

Exit mobile version