مقالات

الحوثي والزيدية (1_4)

 


للتوضيح فقط وليس للحديث بلغة طائفية أو مذهبية، وإنما وجدنا من يقفز اليوم لحشر المذاهب الدينية في الصراع السياسي، ويحاول تصوير هذه الأدوات الدينية السمحة بأنها أسلحة عنف ودموية، وهي ليست كذلك لولا استغلال الساسة، والمذهب الزيدي كان رافضاً للطائفية، والتاريخ اليمني يذكر بأن عقلاء الزيدية كانوا يرفضون كل رافضي وينبذونه، ولذا نجد ابن الأمير أقام الدنيا ولم يقعدها على شخصية وردت أيام المنصور حسين يدعى الشيخ يوسف العجمي الرافضي، وكان قد وفد من إيرانأفسد عقائد العامة ولبس عليهم دينهم ونعت وجوده بأنه (فاقرة في الدين، وقاصمة لظهر المتقين، ومصيبة في الإسلام لم يطمع بوقوعها إبليس اللعين). وجاء في كتاب “نفحات العنبر” في ترجمته للعلامة محمد بن إسماعيل الأمير: أن المهدي عباس في سنة 1166هـ أمر بتسفير يوسف العجمي وكان رافضي المذهب متظاهراً بذلك، ونشأت بسببه مصائب عظيمة في الدين، وكان وصوله في أيام المنصور ودرس في الجامع وغرس مذهب الإمامية في قلوب جماعة من العامة.


فكم نحن اليوم بحاجة لاستحضار العقل والحكمة لأجل لمّ الشمل وتوحيد الكلمة والسعي الحثيث لعلماء اليمن لجرّ الزيدية الى محيطها الأصل القائم على التعايش والتسامح والتقارب والتآلف والتآخي مع بقية المذاهب التي تعاصرت معها عبر العصور، وليس من العقل ولا من الحكمة تسليم الزيدية للتطرف الحوثي والضلال الاثناعشري الذي يستهدف الزيدية ويكفرها ويجرّمها بالمقام الأول، بل إن علماء الزيدية هم أول من حذّر من جماعة الحوثي وأكثر من تضرر منهم، فعلماء الزيدية قد أفتوا بأن المذهب الذي يتبناه الحوثي مذهب رفض وضلال، وغالبية عقلاء الزيدية ينظرون للحركة الحوثية كما ينظر لها بقية علماء وعقلاء اليمن بأن «جماعة الحوثي» مخترقة فكراً وثقافة ومنهجاً ومذهباً من قبل دولة إيران، واستطاعت أن تؤثر على زعيمها الأول بدر الدين الحوثي وأبنائه وتستقطبهم للدراسة في قُم وتغسل أدمغتهم بالنظرية الخمينية التي يرفضها المذهب الزيدي فأسسوا جماعة منحرفة فكرياً وتميل لأعمال العنف والتطرف والإرهاب، وتدين بالولاء المطلق لإيران، وارتمت بأحضانها، وأصبحت منصاعة لها منفذة لمخططاتها وأطماعها التوسعية مما أثر على كامل المشهد اليمني سياسياً واجتماعياً واقتصادياً، وجعل الشعب المظلوم يكتوي بنيران فكرها التكفيري المتطرف، ولا هم لهذه الجماعة إلا إثارة الأحقاد والبغض والتفرقة بين أبناء الشعب الواحد عبر المكر والدسائس والتفرقة والضغائن، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله..


فمن المهم اليوم عزل الحركة الحوثية والاستغلال الإيراني عن الزيدية وإظهار المشتركات والآراء المعتدلة من كل الأطراف للتخفيف من حالات الاحتفان والتنافر والعداوات التي تلطخت بالدماء وأغرقت البلد بالدمار، لأنه ظهر اليوم من يتوهم بأن الحرب في اليمن سببها خلافات مذهبية قديمة، بينما حقيقتها هي مآرب سياسية ومؤامرات صفوية وصليبية وصهيونية على الأمة العربية والإسلامية، والزيدية المعتدلة منها براء، حتى وإن ظهرت في التاريخ بعض النتوءات الجارودية المنحرفة إلا أنها لم تكن الغالب، وكانت تظهر وتتلاشى وتنتهي وليس لها قبول دائم وإنما كانت تفرض نفسها بفتاوى ضالة وقوة السيف ومنهج العنف والقتل واستباحة الدماء ثم تتلاشى وتنتهي، لأن ذلك الفكر الهمجي يتنافى تماماً مع يمن الإيمان والحكمة والفقه أهل القلوب الرقيقة والافئدة اللينة..


﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا﴾


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى