مقالات

جولة الساعة.. كمحطة انطلاق لوطن لم يتعافَ بعد

 


لا يوجد أحد زار صنعاء أو سكن فيها إلا ويعرف “جولة الساعة” في منطقة الحصبة، كانت الساعة المثبتة على تذكار من الخرسانة من أهم المعالم المميزة والمشهورة، بل والنادرة، لأنها تقع في قلب منطقة لها خصوصيتها، ففيها معظم وأهم المؤسسات الخدمية، والدوائر الحكومية، والعسكرية، والقطاع الخاص، إلى جانب بيوت العديد من القيادات، والمشايخ، والمسؤولين، والأسواق المزدحمة وحديقة الثورة.


 


ولأن صنعاء عموماً تخلو من التماثيل والنصب التذكارية، التي ترمز إلى الشخصيات الراحلة من التي أسهمت في الحياة السياسية والأدبية والاجتماعية، بسبب الفتاوى الدينية التي تحرم ذلك؛ باستثناء تلك التي تم الاحتفاظ بها في المتاحف، والتي لم تتمكن من الوصول إليها لا القوى السلفية ولا الجماعات المتطرفة، والنصب التذكاري الصيني والمصري في منطقة عصر، وما عدا ذلك فلا شيء يوحي بأن لدينا أشخاصاً يستحقون أن نخلدهم على صورة تماثيل، كما أن تلك الساعة ليست ثمينة ولا تنتمي إلى ماركة عالمية، هي مجرد عقارب وشوك تم تثبيتهن لإعطاء المكان جمالاً وطابعاً خاصاً، كتقليد لأعمال عديدة توجد في معظم دول العالم.


 


في تلك الجولة توقفت تلك الساعة تدريجياً، وكأن ما حدث لها ليس سوى نذير شؤم لبداية حياة جديدة ومختلفة، قبل أن تتعرض للتلف والخراب الكامل، بعد أحداث الحصبة التي دارت أثناء أزمة 2011م أو ما يسمى بالربيع العربي، بين النظام وجماعات تتبع بيت الأحمر وحزب الإصلاح.


 


اليوم قررت حكومة الأمر الواقع أو جماعة الحوثي، ترميم تلك الساعة أو المعلم، وهذا أمر جيد، لكنهم بالمقابل ذهبوا لبناء نافورة من الحجر فجأة وبصورة مستفزة للجميع، أمام مدخل باب اليمن؛ الباب الرئيس لمدينة صنعاء القديمة والتاريخية، ما أدى إلى ارتفاع الأصوات ليتم إيقاف العمل بها بعد مناشدات وتدخلات.


 


كل ذلك يقودنا إلى نقطة واحدة، وهي؛ أن هذه الجماعة تتحرك دون أي ضوابط أو قوانين موحدة، بمعنى أن المحرك الرئيس لها هي الصورة الشللية وأسلوب العصابات، فكل منطقة ومربع يتحكم به شخص بعينه، أو مجموعة من الأشخاص، مع مراعاة بعض من هامش الدولة التي كانت للتظاهر على أنهم دولة مؤسسات.


 


علماً أن صنعاء القديمة وهي المدرجة ضمن التراث العالمي من قبل اليونسكو، قد تعرضت للتشويه والإهمال خلال فترة الانقلاب، في السنوات الأربع الأخيرة، فقد تم رفع شعار حركة أنصار الله على معظم بيوتها بصورة مقززة ومقرفة تتنافى مع كونها تراثا إنسانيا وعالميا، فيما بدأ الاسمنت يغزو بعض أماكن المدينة، ليحل محل الطوب والطين، والأحزمة البيضاء التي تلف خصر البيوت، وسط غياب تام للجهات المعنية.


 


إذا الحوثيون يصلحون الساعة ويقتلون الوقت والمدينة والناس، ليجسدوا بذلك أهم صور التناقض بين الدولة واللا دولة، والعصابة والمليشيا، والنظام الذي سبق وأن تم إسقاطه، فيظهرون على أنهم شيء من هذا وذاك، لكنهم في نهاية الأمر، يبقون جماعة تعمل ضمن بيئة لم تتكيف بعد مع خارطة الوطن الكبير، الذي كان محاطا بأسوار الدستور والقانون، والنسيج الاجتماعي المتفاعل، وأشكال الديمقراطية والحريات، وتنوع الصحافة والإعلام، والسياسية الخارجية، وحركة الأسواق التجارية، والتبادل التجاري والاقتصادي، ومتابعة الأحداث السياسية والخارجية، وحضور المؤتمرات الدولية، والقمم العربية، والتطلع إلى تنمية شاملة ومستدامة، ومحاربة الطبقية والتمايز على أساسات عرقية أو مالية بكل أشكالها.


 


اليوم هذه الجماعة لم تعد قادرة على الخروج من دائرة الصراعات والموت، فهي وإن بدت منتصرة في حرب كل ضحاياها يمنيون، أو مفاوضات كل أطرافها يمنيون أيضاً، فإن الأيام المقبلة لن تكون إلا خلاصة لكل هذه التحركات في مربعات الاقتتال والموت، حين تكون الأمور في منتهى الإفساد.


 


فمتى يرمم الحوثيون محيطهم للوصول إلى وطن آمن مستقر؟


وهل ستكون الساعة في “جولة الساعة” بالحصبة، بداية لترميم كل الأوجاع؟ أم أنها مجرد شائعات، أو شيء عابر لا يوجد في الحسبان، ولا يعمل به في دوائر المحبة والتعاون والسلام.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى