مقالات

مليشيا الحوثي.. ومسرحية الحديدة!!

 


كان خبر مباركة “المجلس السياسي” خطوة “القيادة السياسية” تسليم “الجيش واللجان الشعبية” ميناء الحديدة ل”مصلحة خفر السواحل، الحدث الأكثر ظرافة وطرافة وغرابة من بين كل الأحداث التي مر بها اليمنيون العام 2018م، بل في مجمل الحرب التي فجرها الانقلاب، إن لم يكن في كل تفاصيل الأزمة التي عصفت بالبلد منذ العام 2011م.


 


2018 كان هو الأسوأ من بين كل سنوات الأزمة التي عاشها اليمنيون بعد أن استبقه الزعيم صالح باتخاذ قرار المغادرة وقلب الطاولة على الحوثيين.. وتسيد المليشيا الحوثية في باقي مناطق سيطرتها بعد استشهاده.. وكل العبث الذي مارسته في بنية الدولة والمجتمع وما بينهما من تفاصيل.


 


مسرحية ميناء الحديدة التي تفتقت إليها ذهنية الحوثيين على ظرافتها، أصابت قطاعاً كبيراً من النخب السياسية والإعلاميين والمهتمين من الإقليم والعالم، والذين ظلوا متفائلين بإمكانية إحداث اختراق في المسار السياسي للأزمة اليمنية من بوابة الحديدة؛ بحالة من خيبة الأمل والصدمة والذهول.


 


على “الخريطة” زحفت قوات المقاومة المشتركة (حراس الجمهورية، المقاومة الجنوبية، الألوية التهامية) من يختل بمحافظة تعز وحتى 4 كيلو مترات من ميناء الحديدة على مسافة تتجاوز 120 كيلو مترا.


 


طريق هذه الألوية الضاربة لم يكن مفروشاً بالورود، بل بشبكات ألغام وعبوات ناسفة وقناصة ومعارك ضارية وآلاف المحاولات للتسلل وقطع الخط الساحلي وآلاف الشهداء والجرحى قدموا أرواحهم رخيصة في سبيل تحرير مدينة الحديدة والشريان الأخير للحوثيين، حتى باتوا يسيطرون على اثنين من مداخل المدينة الثلاثة وعلى بعد 4 كيلو مترات فقط من قطع المنفذ الأخير للمليشيا القادمة من كهرف مران الممولة من طهران.


 


و”نظرياً” تنص اتفاقيات ستوكهولم التي اتكأت على القرارات الدولية ذات الصلة بالأزمة اليمنية والمعطيات العسكرية على الأرض أن تبدأ المليشيا الحوثية عملية انسحاب من الميناء والمدينة بالتوازي مع انسحاب القوات المشتركة لتتولى السلطة المحلية والأجهزة الأمنية قبل العام 2014م مهام تسيير المدينة والميناء.


 


الاتفاقية، إذاً، “ستوكهولم” لم تأت والقوات ما زالت في يختل أو الخوخة أو مفرق الحسينية أو الدريهمي أو حتى الدوار الكبير، بل كانت نتيجة طبيعية للمعطيات على الأرض ولتحقيق هدف واحد ووحيد هو تجنب الأحياء السكنية في المدينة ضريبة المواجهات العسكرية والحفاظ على البنى التحتية للمدينة وعلى رأسها الميناء، في مقابل حفاظ المليشيا على مصالحها في المدينة.


 


وما دام ذلك، فالسؤال الطبيعي الذي ينبغي طرحه على مليشيا طهران، ما هو السبب الذي قد يدفع الطرف الآخر للقبول بسقف أقل من تنفيذ بنود اتفاقية السويد ما دام والمعطيات على الأرض والقرارات الدولية تصب في مصلحته؟!


 


ليس لدى المليشيا ما تخسره عبارة “مستهلكة، قديمة” فلدى الحوثي الكثير مما سيخسره في الحديدة فيما لو حسمت المعركة عسكريا، أقلها تعطل مصالحه التجارية ومصادرة ممتلكات قياداته وملاحقة عناصره المتورطة في جرائم وانتهاكات بحق المدنيين، والأهم فقدان رئته الأخيرة للتنفس خارج صنعاء.


 


الحوثي الذي يناور لكسب الوقت لكنه في ذات الوقت يستميت للحفاظ على تفاهمات السويد، يراهن على ما يراها عوامل داخلية وخارجيا قد تغير باعتقاده معادلة الصراع على الأرض، تراجع الروح المعنوية للمقاتلين وإمكانية حدوث تصدعات بين مكونات المقاومة المشتركة بعد قرار وقف إطلاق النار، بالإضافة إلى ترقبه ما سيسفر عنه حراك الشارع السوداني وتبعات الإطاحة بالجنرال البشير “فيما لو تمت” على وحدات الجيش السوداني “الرمزية” في الساحل الغربي والتي تتولى مهام “لوجستية” لا علاقة لها بالحرب.


 


لذلك سيستمر الحوثي في المناورة وإضاعة الوقت، وستستمر الأمم المتحدة بغض الطرف عن نقطة “تزمين” الاتفاقية حرصا منها على الدفع قدما بعملية السلام، ما لم يتخذ الوفد الحكومي المفاوض في السويد وفي اللجنة المشتركة لتنسيق إعادة الانتشار موقفا “حازما، وحاسما” في رفض أي تسويف في تنفيذ بنود الاتفاقية وأي ترحيل لخطواتها أو تمديد في برنامجها الزمني..


 


مستفيدا في ذلك من الحماقة والخطأ القاتل الذي ارتكبه الحوثيون بإعلان خطوة تسليم الميناء من طرف واحد وفي ذلك الإخراج الرديئ الذي فتح أعين العالم على تفاصيل سلوكه السياسي، وأثبت للجميع في الداخل والخارج همجية وسطحية هذه المليشيا، وأثار جملة من الأسئلة حول جاهزيتها لإحلال السلام في مدينة كالحديدة وحبل المشنقة يلتف فيها حول رقبته وهي خارج سيطرته العسكرية بحسابات الحرب.


 


فماذا عن جاهزيته للحديث عن سلام شامل وعادل ودائم ومستدام ينهي الكارثة والمأساة الإنسانية في اليمن وما زال لديه متسع أكبر للمراوغة والتلاعب والاستخفاف بالجميع؟!


 


 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى