مقالات

مشهد مُخجل لحقيقة عارية

 


لن يكون اتفاق السويد اتفاقا عابرا، بل هو حدث سياسي تأريخي مفصلي في التاريخ اليمني الحديث، ليس لأن هذا الاتفاق سيخلق سلاماً حقيقاً أو زائفاً، أو يؤسس لحرب بطريقة منظمة أو عشوائية، ولا لأن هذا الاتفاق لامس حقيقة ما يحتاج إليه الوضع اليمني المنهك والمثخن بالحرب والجراح، ولا لأن أحد الأطراف راضية ومرضية من حدوث سلام حقيقي، أو استغلال التهدئة لالتقاط الأنفاس..


 


الأمر بكل بساطة يعني بأن هذا الاتفاق كان خلاصة هامة لحقائق مختلفة، وللكم الهائل من المرارات بهذه الحقائق، فقد لجأت الأطراف المعنية بمحاولة تعديل هذه المرارات بكم هائل من محاولات التحلية، ومواجهة فضحية الحقيقة العارية بمحاولة إلباسها أقنعة زائفة ولربما أثواب مغرية، لكن لا يمكن لكل تلك المحاولات من التحلية وضخ الكلام المعسول أن يؤثر بشكل كبير في جوهر الأمر بعد أن تذوق الجميع المرارات بكل ما فيها من علقم.. ولن يفيد تغطية الحقيقة ومحاولات إلباسها أقنعة زائفة وثياب مضللة.. بعد أن ظهرت عارية تماما أمام مرأى الجميع في لحظة تاريخية حساسة جداً.


 


إليكم إعادة تذوق لهذه المرارات، وإعادة بث لمقطع من مشهد الحقيقة عارية، في وقت ما زال فيها استكشاف الحقائق ممكنا، خاصة وهي قبل أن يجف حبرها، وقبل أن تتحول التحريفات والمغالطات إلى أوهام مقدسة وثوابت وخيالات وطنية خرافية ومثاليات معلقة غير ممكنة أصلاً، كما سبق وأن حدث الأمر كذلك بأحداث سابقة مشابهة لهذا.


 


الحقيقة الأولى أن الحوثي لن يلجأ للسلام إلا حين يشعر بالضعف ويوشك على الهزيمة.. الحوثي كمجنون قدم نفسه يوماً بسوق عام على أنه حكيم فصدقه البعض بسذاجة والبعض بمكايدة وافكار مدبرة.


 


الحوثي اليوم يسخر من نفسه ويسخر من الذين صدقوه، ويسخر أيضاً حتى بمن استغلوه للمكايدات.. ويسخر ممن تركه مجنونا يسير بين الناس دون أن يتم تقييده ويقول للجميع سأكشف لكم حقائقي كمجنون له قدرات تمثيلية مختلفة.


 


الحوثي اليوم ليس خطراً دولياً وإرهاباً عالمياً وحسب، فلا يمكن حصر خطر الحوثي على اليمن، وقبل ذلك الحوثي خطر على الحوثي نفسه، لو افترضنا بأن ليس للحوثي أي خصم أو عدو سياسي فإنه سوف يتحول إلى ميلشيات متفرعة داخله يقاتل نفسه ويحمل المجتمع المحلي والدولي مشكلة هذا الصراع..


 


ولهذا فإن السلام مع هذه الجماعة هو سلام واهم وزائف ولا يستند إلى أي حقيقة أو قيمية إخلاقية حقيقية.


 


الحقيقة الثانية.. أن المجتمع الدولي بالدور الأممي للدول العظمى قادر على حسم الأمر نحو السلام أو الحرب.. والأمر مرتبط بالعلاقات السياسية الدولية وتوازناتها وتعقيداتها المختلفة.. لا يريد المجمتع الدولي ضحايا إنسانية مدنية تأتي على حساب معركة التوازن بالعلاقات الدولية، بالوقت الذي يكون نفس عدد هذه الضحايا أو يوفق في ظل استدامة الصراع دون حسم نهائي لأي طرف كان وأي طرف كان مجرما بالأمس سوف يتحول إلى محل اعتراف وتقدير.


 


الحقيقة الثالثة.. أن الشرعية عجزت عن الحرب وعجزت عن السلام أيضاً.. لم تستطع الشرعية أن تثبت على منصة من وهم كبير بأنها هي الشرعية المؤيده دولياً والمعترف بها، وكأن المقصود كان من كل تلك القرارات السابقة كانت فقط للشماتة والسخرية من دولة بكل أجهزتها والعالم معها هزمتها ميلشيا قادمة من كهف، كما يسخرون من إصرار الشرعية بالتمسك بهذا المنطق بلسان حال تقول نحن أنفسنا من أصدر القرارات السابقة ومن يقود التحركات الحالية.


 


كل كلام الشرعية عن تمسكها بالمرجعيات كان كلامة انشائيا لا يرتقي إلى مستوى لغة سياسية محترمة، ولم يتبلور إلى أي فلسفة وأبعاد قانونية واخلاقية.. على الأقل تكون مقنعة نظرياً..


 


بالتأكيد كان حصيلة رهان الشرعية هنا راهنا خاسرا، كما تظن الشرعية بأن معركة الساحل ليست معركتها ولا تمثلها إلا بقدر ما يتاح لها من استغلالها لإحداث تسوية رخيصة.


 


خلاصة.. أنتج هذا الاتفاق بناء على عجز الحوثي على الحرب، فحاول بأن يظهر نفسه وكأنه داعية سلام، يفتدي بسيادة بلده ويرهنها للآخر لينقذ نفسه “أنا رب لجماعتي” ولليمن الجميع يزايدون بها، وبلحظة يخونونها لينجوا بأنفسهم وتهلك اليمن، لكن لا أحد يمتلك قدرا من الشجاعة ليقول بأنه افتدى نفسه بالوطن، بل مازلوا مصرين أنهم فدوا الوطن بأنفسهم..


 


يخشى  المجتمع الدولي من انتهاء الحرب بطريقة لا يفضلها.. فحدوث الحسم لصالح طرف وأنها الحرب نهاية تامة، أمر غير مرحب به، وبطريقة أو بأخرى فإنهم لن يسمحوا بهذا.. فتعذروا بالأبراياء والضحايا.. ولأن الشرعية مبنية على فلسفة ما بدا عليها هربت منه كما هربت بالأمس، وخسرت السلام كما خسرت الحرب.


 


 

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى