تابع الكاتب أهم مقالات بعض القيادات البارزة في حزب المؤتمر الشعبي العام خلال عام 2018، حول أزمة الحزب، فضلاً عن بعض مقالات ذات صلة أدلى بها الرئيس هادي في مناسبات متفرقة. ونعني بالمقالات هنا الأقوال التي صدرت منهم وتعبر عن آرائهم بما في ذلك التغريدات، وليس المقال الصحفي بالمعنى الشائع، إذ ليس فيهم كاتب مقال.
وجميع تلك المقالات التي خاطبوا بها بعضهم بعضاً، وخاطبوا غيرهم في معظمها، هو أن المؤتمر نشأ يمنياً، لأن البلاد كانت تحتاج لمثله في ذلك الحين.. حزب وسطي معتدل، مدافع عن الحقوق والحريات والمواطنة المتساوية، يرفض المساس بسيادة اليمن، ويقف ضد أي تهديد للأمن القومي العربي والسلام العالمي، لا تقيده أيديولوجية دينية أو سياسية، لذلك هو منفتح على مختلف الأفكار والجماعات، ويتقبل الآخر المخالف له.. وهو حزب يعنى بالتنمية والاستقرار والأمن، والعدل بين المواطنين وحماية حقوقهم وحرياتهم الخاصة والعامة، وعنى بتطوير التجربة الديمقراطية.. ملتزم بأهداف الثورة والديمقراطية والوحدة.. ومؤخرا أضيفت لفظة الاتحادية، فقيل: الوحدة الاتحادية، كما في مقالات الدكتور بن دغر، وكذلك وردت مراراً في خطابات الرئيس هادي، وفي حديثه للقيادات المؤتمرية في العاصمة المصرية، أثناء زيارته لها في أواسط شهر أغسطس 2018.
وقد قال الرئيس في تلك المناسبة كلاماً مؤداه إنه إذا كان هذا هو فهمنا لحزبنا، فلننطلق من هنا لإعادة اللحمة وبناء بيت المؤتمر ليتعافى وينتصر الوطن معه وبه وبالتعاون والشراكة الفاعلة مع كل القوى السياسية على الساحة الوطنية. وعلينا الوقوف على مشاكل المؤتمر ثم معالجتها، لكي يتعزز نشاطه ويستعيد مكانته في الساحة الوطنية، ويكون تام الجهوزية للمرحلة القادمة، خاصة وأن المجتمعين الإقليمي والدولي يفضلانه على غيره.
والعبارة الأخيرة تحتاج إلى تفصيل وتعليق، نرجو أن يكون في المقال الثاني، وما يعنينا الآن أن ثمة مشكلة حقيقية، وباستمرارها تمسي مشكلتين، فإضافة إلى التحدي الراهن التنظيمي-السياسي، سوف تظهر في المرحلة القادمة تحديات كثيرة مختلفة: تنظيمية، سياسية، اقتصادية، وأمنية واجتماعية، وسوف يترتب عليها مشكلة أكبر بالنسبة للمؤتمر، وهي أن مكانته ستهتز لا محالة، إذ لا يمكنه في ظل الانقسام والقيادات المتصارعة وحتى الضعيفة، التعامل معها بفعالية هادفة.
المشكلة الأولى تحظى بأولوية الرئيس هادي وغيره من القيادات التي تابعنا مقالاتها، وهي هذه الخلافات التي وزعت قيادات المؤتمر فريقاً هنا وفريقاً هناك.. والحل الآني، من وجهة نظرهم، يجيب على السؤال: ماذا.. ماذا يتعين علينا فعله؟ أما كيف.. كيف نفعل ذلك؟ فالكلام قليل.. والجواب عندهم على السؤال ماذا هو: يجب تجاوز حالة الانقسام التي تعرض لها المؤتمر، وفي أقرب فرصة. يقول الدكتور أحمد عبيد بن دغر: لا يجوز البقاء أسرى للتاريخ العظيم للحزب وقيادته الفذة! كما لا يجوز استغراق الوقت في التفكير حول وسائل وطرق وأساليب توحيد صفوفه.
إذن.. العجلة مطلوبة، فالبلاد باتت في حاجة للمؤتمر الشعبي، المواطن ما يزال يحن لعهد المؤتمر ويحظى بدعمه، الأشقاء والأصدقاء معجبون بتجربة المؤتمر في إدارة الشأن العام، ويحضون على ضرورة استرداد عافيته وأن يستأنف دوره.
يقول الرئيس هادي: المؤتمر أمانة في عنق كل مؤتمري.. وبالطبع لا شيء عسير وغير قابل للإصلاح، فقط علينا -وهنا نستخدم تعبير الرئيس هادي- أن نعتبر حالة الشتات القائمة سحابة صيف طرأت، ويجب أن تنتهي. أن نتجاوز الخلافات السابقة ويكفي ما مضى، ونتجنب أي خلافات جديدة. ومطلوب أيضا التجرد من الأغراض الذاتية أو الأنانية، والترفع على الولاءات والحسابات الضيقة.
أما كيف..؟ فالجواب القليل قريب من التالي: إصلاح الاختلالات القائمة.. هكذا فحسب، ويرى واحد منهم أنه يتعين إجراء مصالحة حزبية مؤتمرية تخرج المؤتمر من أزمته، وذلك باستعادة وحدته من خلال قيادة موحدة، وفقا لنظامه الداخلي ولوائحه، مصالحة لا تستثني أو تتجاهل أحداً في الخارج أو الداخل.. ويجب أن نقوم بذلك الآن حسب مقال الدكتور أحمد عبيد بن دغر وقريب منه مقال الدكتور أبو بكر القربي.
على الرغم من أهمية الأفكار والمقترحات والعواطف السابقة، فإن الجواب على كيف يحتاج أيضا إلى جواب على كيف أخرى هي نتيجة له، كيف نبني مشروع المصالحة؟ كما أن الخلاف ما يزال قائما حتى بين المذكورين، وكلهم من قيادات المؤتمر في الخارج، ومعظمهم مختلفين مع قيادة المؤتمر في صنعاء، لكن هناك إشارات تفيد أن المناقشات مستمرة، ومن المهم هنا الإشارة إلى خطر تصلب الرأي أو العناد على القضية كلها.. ولنضرب على ذلك مثالا، وسيكون مناسبا لأنه مرتبط بمناسبة ذكرناها قبل قليل وهي اجتماع الرئيس هادي بقيادات مؤتمرية في القاهرة المصرية. فقد تخلف عنه نحو ستة من أعضاء اللجنتين العامة والدائمة بجريرة أن الرئيس هادي أراد من هذا الاجتماع الحصول على تأييد تلك القيادات لزعامته للحزب، بينما هم يرفضون زعامته مطلقاً. وعندنا أنه ما كان ينبغي لا المقاطعة ولا تبريرها على ذلك النحو، الذي يقطع الطريق من البداية، ثم إن الرفض أو القبول بزعامة حزب لا يقررهما محلل سياسي أو مجموعة صغيرة من بين مئات الأعضاء في اللجنتين العامة والدائمة، بل ليس من اختصاص اللجنتين تقرير ذلك إن شئنا الصواب، هذا من جهة. ومن جهة أخرى لا يمكن الحديث عن قيادة موحدة بمعزل عن هادي والموالين له وبمعزل عن المؤتمريين في الجنوب، وهم غالبا يميلون إليه. وأولئك يتجاهلون هذه القضية المهمة، ونحن نفهم أن مساعي أحمد الميسري وبن دغر وغيرهما، وحتى الرئيس نفسه هدفها واضح وهي إسناد رئاسة الحزب له إن أمكن ذلك. وعلى أية حال هذه المسألة تتقرر في مرحلة تالية، سنعرض عليها في مقال آخر.
من جهتنا سوف نقدم في المقالات التالية محاولة لشرح الأزمة الراهنة للمؤتمر بالعرض والتحليل والتفسير، بالقدر الذي أتاحته خبرتنا اليومية مع حزب المؤتمر، وهو قدر جيد يساعد على التعرف على مظاهر الأزمة وعلى أسبابها، ونرجو أن يكون مفيدا للمختلفين، وللقيادات التي تقوم -وما تزال- بمحاولات من أجل الوصول إلى حل أو مجموعة حلول للأزمة.
تتضمن مقالاتنا -في سياق ما تهدف إليه- تحرير محل الخلاف، حسب تعبير الفقهاء القدامى. ومحل الخلاف البارز الآن هو رئاسة الحزب بعد اغتيال رئيسه علي عبد الله صالح، وبالطبع القيادة التنفيذية له. فمن قبل لم تكن ثمة منازعة حول الرئاسية، فقد ظل علي عبد الله صالح رئيساً للمؤتمر منذ تأسيسه، وإن اختلفت المسميات، مرة الأمين العام اللجنة الدائمة، ومرة الأمين العام للمؤتمر الشعبي، وثالثة الأمين العام للمؤتمر رئيس اللجنة الدائمة، ثم استحدثت صفة تنظيمية جديدة عام 1995، وهي رئيس المؤتمر الشعبي العام، فكان هو الرئيس حتى يوم اغتياله في اليوم الرابع من شهر ديسمبر 2017. فمن يليه إذاً؟ إنه نائبه حتى يتم انتخاب رئيس من قبل مندوبي المؤتمر العام الثامن. ومن نائبه؟ كان عبد ربه منصور هادي نائب رئيس الجمهورية هو نفسه نائب رئيس المؤتمر الشعبي العام منذ العام 1995، ولم يكن يومها سوى نائب واحد، ثم صار هو النائب الأول لرئيس المؤتمر، بموجب تصويت مندوبي المؤتمر العام السابع عام 2005، وإلى جانب ذلك أسندت إليه في العام 2008 صفة الأمين العام للمؤتمر الشعبي. أما النائب الثاني فكان الدكتور عبد الكريم الإرياني (توفي عام 2016).
في أواخر العام 2014، زكت اللجنة الدائمة مقترحاً قدمه صالح باختيار الدكتور أحمد عبيد بن دغر نائب أول لرئيس المؤتمر، وكان الهدف استبعاد هادي، لكن هيئة الرقابة التنظيمية أصدرت فتوى قانونية أكدت فيها أن عبد ربه منصور هادي ما يزال هو النائب الأول.. أما صادق أمين أبو راس فقد زكته اللجنة الدائمة في نفس الوقت نائبا لرئيس المؤتمر (نائب فقط. دون ذكر كلمة ثاني، إذ تم الإبقاء على الإرياني كما هو- نائب ثان)، وفي العام 2015 انضم بن دغر إلى مؤيدي هادي، فقرر صالح ترفيع أبو راس إلى نائب أول له. وبعد اغتيال صالح نصبت اللجنة العامة في صنعاء صادق أمين أبو راس رئيساً للمؤتمر وكلفته أيضاً القيام بمهام الأمين العام (لأن الأمين العام عارف الزوكا قد تم اغتياله إلى جانب رئيس الحزب صالح). وفي نفس الوقت أعلن هادي أنه رئيس المؤتمر بصفته النائب الأول الشرعي، كما نصبه لرئاسة الحزب جميع قيادات المؤتمر في الجنوب، التي حضرت مؤتمر أو اجتماع عدن في مارس 2018، وعددها نحو ألف. هذا فضلاً عن القيادات المؤتمرية الشمالية المؤيدة له.
ذلك هو محل الخلاف البارز، مقترناً بقليل من التفسير، وللخلاف أسباب أخرى سنشير إليها لاحقاً، والتنافس حول رئاسة الحزب وأطره القيادية العليا اتسع لغير من ذكرنا. وترتبت على الخلاف الأزمة التي كانت في البداية تتمثل بفريقين قياديين أحدهما في صنعاء والثاني في الرياض، فصار لدينا بعد ذلك مؤتمر صنعاء الذي يترأسه الشيخ صادق أمين أبو راس، الذي يصفه بعض الخصوم وحمقى المؤتمر بجناح الحوثيين. ومؤتمر الخارج- الرياض بقيادة الرئيس هادي، وضميمته المؤتمر الشعبي في الجنوب، والثالث مؤتمر أبو ظبي الذي ينسب إلى السفير أحمد علي، وقيادات المؤتمر في القاهرة الموزع ولاؤها بين هادي وأحمد.
بقي لنا في هذا المقال، تسجيل ملاحظة نراها ضرورية، وهي أن بعض الكتاب وبعض الخصوم السياسيين للمؤتمر يعتبرون حالته الراهنة صراعاً بين مراكز قوى تكشفت بتشظي الحزب، شظايا تطايرت بعيداً هنا وهناك، فصار المؤتمر أجنحة: جناح صنعاء، جناح حوثي، جناح هادي، وجناح أحمد علي أو أبو ظبي.. والأمر من وجهة نظرنا الآن أنها أزمة تنظيمية – سياسية داخلية نشأت عن اختلاف المواقف داخل المؤتمر حول عدد من الأحداث والقضايا المحلية أولاً، وقد تعمقت هذه الأزمة بأفعال ورد أفعال متبادلة، كان بطلاها الرئيسيان رئيس الجمهورية السابق رئيس المؤتمر علي عبد الله صالح في جهة، ورئيس الجمهورية النائب الأول لرئيس المؤتمر وأمينه العام عبد ربه منصور هادي في الجهة المقابلة، فضلاً عن قضايا كبيرة استجدت بعد عملية عاصفة الحزم، ثم بعد اغتيال صالح. وستظهر المعطيات اللاحقة أن وصف تجليات الخلاف بالأزمة التنظيمية أقرب إلى الصواب، ولا تنطبق عليها كلمة تشظي، ولا أجنحة، وإذا وجد مطالع المقالات التالية أننا استخدمنا هذه اللفظة فذلك من باب المجاز إذا جاز لنا القول. وإذا وجد مطالع أن في المقالات ما يرضيه أو يرضي فلاناً أو يغيظه ويغضب فلتاناً- وهذا وارد- ليعلموا أن ذلك ليس من أهداف هذه المقالات، فمن رضي لم نكتب لكي نرضيه، كما لن نسر برضاه، ومن غضب لم نقصد إثارة غضبه. إنما كتبنا من أجل قضية تهم هاديا وأبو راس، وأحمد وبن دغر، والميسري والبركاني والقربي والعليمي، وغيرهم من القيادات، وتهم المؤتمرين كلهم جميعاً.
والسلام.
(*) عضو اللجنة الدائمة الرئيسية