صمد الجنوب وهربت وظيفة السلطة

 


أثناء اقتحام الحوثيين لقاعدة العند، اتصلت على أحد أفراد المقاومة الجنوبية المتواجدة بالضالع، وسألته عما يدور هناك وكيف معنويات المقاومة واستعداداتها؟


أخبرني أن المعنويات عالية وأن الرئيس عبدربه بنفسه يقود المعركة من العند.


كان واثقا مما يقول وكرر لأكثر من مرة قائلا “نعم.. وصلتنا معلومات مؤكدة أن الرئيس الآن يقود المعركة من العند بنفسه، وسيرسل تعزيزات لجبهة الضالع بعد لحظات”.


 


كم كان واثقاً وهو يتحدث عن شجاعة الرئيس.. وكم شعرت حينها بالوجع والشفقة عليه لأنني كنت أدرك تماما أن الرئيس قد هرب مع الهاربين من عدن.


 


وباللحظة نفسها كانت الأخبار تتحدث عن إطلاق النار بالقرب من معاشيق بينما هذا المقاوم المخلص يبني آماله على فقاعة الرئيس المغوار الذي يقود المعركة من قاعدة العند.


 


آنذاك بقيت أنصت إليه بحيرة من أمري أتساءل مع نفسي “هل أخبره أن الرئيس قد هرب وانهار جيشه أم أدعه يعيش أوهامه؟”. لكني بعد تفكير فضلت أن أكون غبيا، وتماشيا مع أوهامه وجدت نفسي أبدي إعجابي الكبير بشجاعة الرئيس المغوار الذي يقود المعركة حسب ظنه.


 


كان يبدو من خلال حديثه أن المقاومة بالضالع معزولة عن محيطها، إذ لم يكن لديهم أدنى معلومة عن أخبار المعركة، لربما كان اهتمامهم ينصب على كيفية مواجهة العدو دون الالتفات إلى هرطقات وسائل الإعلام الانهزامية التي أعلنت مبكرا عن انتصار الحوثيين بالمعركة، وآمال هذا المقاوم، وربما المقاومة هناك عن بكرة أبيها، كانت معلقة على الدعم الذي سيصل من العند، العند الذي سقط وأصبح تحت سيطرة العدو.


 


قبل الحرب بأيام معدودة استدعى الرئيس القبائل وصرف لها الأسلحة والأموال وأوكل اليها مهمة حماية دولته إلى جانب جيشه باستثناء الضالع ويافع وردفان والصبيحة التي بقيت خارج إطار اهتمامه رغم أهمية مواقعها الجغرافية.. حينها أحد مطبلي الرئيس عندما احتج أبناء هذه المناطق لأن رئيسهم لم يدعمهم استعدادا للمعركة علق بكل غرور قائلا “هادي عنده رجال للدفاع عنه وعن دولته ومش محتاج لأحد”.. لم يكتف بهذا القدر فقط بل غمز ولمز بألفاظ تشير إلى شجاعة هادي ورجاله وجبن الآخرين.


 


رغم ذلك الخذلان الذي سبق المعركة كان هذا المقاوم يقاتل بإحدى جبهات الضالع متسامحا ومعلقا آماله على مدد الرئيس الذي سيأتي من العند، مع أن العند قد سقط بجيش الدولة الذي تحولوا بين عشية وضحاها إلى متحوث وحاصر طماح في مكتبه واعتقل من اعتقل.


 


كيف لي أن أكسر إرادة هذا المقاوم وأقول له الأخبار التي تتحدث عن فرار الرئيس وسقوط العند واعتقال الصبيحي وفيصل رجب؟ وكيف سيستقبل خبرا مزلزلا كهذا؟


 


لم أستطع أن أقول له كلمة واحدة، لذا وجدت نفسي أنهي المكالمة بعجل متمنيا له هو ورفاقه السلامة والنصر.. أنهيت المكالمة والوجع يوخز قلبي وهناك سؤال يشغل بالي “كيف سيكون حاله حينما يعرف الحقيقة التي سيصل اليها لا محالة؟”.


 


تركت هذا المقاوم المتفائل بحماسه وتفاؤله اللا محدود وعدت أتابع الأخبار على صفحات أبرز النشطاء والقنوات والمواقع الإخبارية التابعة للرئيس وغيرها.


 


كان الجميع في حالة صدمة وانهيار والمناطق تتهاوى تباعا والجيش فص ملح وذاب.


 


حينها خرج أبناء عدن للدفاع عن مدينتهم نيابة عن جيش الرئيس الفار، وانضم إليهم جمع من شباب أبين ولحج وشبوة ويافع وردفان والضالع والصبيحة وحضرموت والمهرة وكل الجنوب تحرك بشكل عفوي، الكل اتحد للدفاع عن دولة الرئيس الفار.


بالأصح للدفاع عن أرضهم ومدنهم بعد أن خذلهم جيش الرئيس الفار!


في شوارع عدن والضالع كان الصمود اسطوريا بشهادة الجميع، ومن هناك عاد الأمل وتنفس الجميع الصعداء.


 


رفعت راية جمهورية اليمن الجنوبي عاليا وكانت الراية الطاغية على المشهد التي ترفرف في الجبهات بينما في الجهة المقابلة يرفع الحوثيون راية دولة الوحدة ويقاتلون تحتها والعالم كله شاهد على ذلك.


 


تحدث الشهيد الشجاع علي ناصر هادي الذي عينه وخذله الرئيس بنفس الوقت، تحدث عن الراية التي يرفعها شباب المقاومة وقال “هؤلاء شباب المقاومة يدافعون عن مدينتهم وهم أحرار ومن أراد أن يقاوم تحت علم الجمهورية فليأت”.. بقيادة الشهيد الشجاع علي ناصر هادي كانت المنطقة الرابعة تدافع بيد وبالأخرى تعيد ترتيب الجيش بعناصر من أبناء الجنوب دون غيرهم، وإلى جانبه الشهيد سيف اليافعي وفضل حسن، استمروا بالقتال وسط خذلان الرئيس ودولته لهم، وفي شوارع عدن كان شباب عدن والجنوب يدافعون عن المدينة بأسلحتهم الشخصية وكان نايف البكري وكل الوحدويين يهتفون باسم الجنوب ورايته، متناسين وحدويتهم ورايتهم الوحدوية لأنهم يدركون تماما أن رفع راية الوحدة سينظر إليه بمثابة خنجر يطعن بظهر المقاومة.


 


لذا كانوا يصفقون للمقاومة الجنوبية وشجاعة أفرادها، ولا ننكر أن البكري واحد من أبرز رجال السلطة الذي لم يهرب كغيره، ولكن الجميع أجمع أن الدافع المعنوي كان مصدره الحاضنة الشعبية المؤمنة بعدالة القضية الجنوبية وهي القائد الملهم الذي أثمر النصر وليس أحد غيرها.


 


يوم الهروب الكبير انهارت أركان الدولة والجيش ووجد الرئيس نفسه مغلفا بالعباءة باحثا عن منفذ للهرب، يومها انهار كل شيء ورفع الناس بالجنوب رايتهم التي قاتلوا تحتها مؤمنين بقناعاتهم وبالشراكة مع التحالف حققوا الانتصارات، وبعد كل هذه الأحداث التي شاهدها العالم أجمع يأتي الرئيس وشلة اللصوص ومرتزقة الإعلام للمزايدة على الجنوبيين وإنكار تضحياتهم، وبلا خجل يذهب هؤلاء لكتابة تاريخ مزيف غير التاريخ الذي عايشناه على الواقع لحظة بلحظة!


 


 

Exit mobile version