عدن والعبث.. إتحاد العمال مثالا

 


لوثة الماضي تعبث بحاضر عدن، لوثة الجهل بالمفاهيم باعتبار الثورة حالة فوضى لا حالة وعي، فوضى تتمثل بحمى السطو على الأراضي ومعالم عدن وتاريخها وحضارتها، على مؤسساتها ومدارسها ورياض الأطفال ومقرّات منظمات المجتمع المدني، من نقابات وهيئات، فوضى تجريف الحياة من الاستحقاق والمنجزات باعتبارها من الماضي. إنه امتدادا لعبث الماضي الحديث بحقد دفين وثأر عقيم، إذ جرفت المؤسسات والمنظمات من كوادرها وخبراتها، لإحلال بديلٍ لا علاقة له بالعمل.


الماضي إرث ثقيل ودولة عميقة، لا زالت قائمة بفعل معوقات الثورة والتغيير لإصلاح الواقع وتغيير الأدوات، كل هذه المعوقات خدمت وتخدم دولة الماضي العميقة في العبث بالحاضر وتشويه الواقع وفشل التغيير، ليترحم الناس عليها وتعيد إنتاج ذاتها بصورة أو أخرى.


اتحاد عام نقابة عدن من أعرق الاتحادات في المنطقة العربية. هنا نشأت وتبلورت الحركة الوطنية اليمنية. اليوم يفقد هذا المكان معالمه التاريخية، فقد مسرحه التاريخي الذي هو جزء أصيل من تاريخ عدن والحركة الوطنية والإبداعية فيها، فقد مدرسته النقابية التي تخرج منها كوادر الحركة النقابية في المنطقة، فقد مطبعة صوت العمال العريقة .


اليوم تحاك مؤامرة سلبه روحه المهنية، لتستحوذ عليه مجموعة لا تعي معنى الثورة، فلا تملك غير العبث الذي يجرف عدن من تاريخها وإرثها النضالي بعمد، وروح الإقصاء والتهميش والاستحواذ من دون وجه قانوني شرعي وثوري.


شبان بعقلية الماضي ويسكنهم إرث الماضي، مصابون بلوثة الماضي، يمارسون العبث نفسه، يفتقدون الوعي بأن اتحاد عمال اليمن كيان مستقل مهني، حقوقي لا سياسي، كوادره منتخبة من أوساط الحركة العمالية، شباب لا علاقة لهم بالعمل والعمال وظيفيا ومهنيا، لا يعون أدبيات الحركة العمالية ووثائقها، يعتقدون أنها وظيفة من حقهم في الحصول عليها كغيرهم من ثوار هذا الزمن الرديء الذي سلّط علينا لوثة الجهل وزوبعة الفوضى، فغاب ميزان الكفاءة والمعرفة، وصارت الوظيفة مجرد فيد.


شباب يأخذه الحماس والشطط والتهور، يفتقد لمن يرشد حماسه ويوجهه إلى الوجهة الصحيحة، لم يجد رشيدا يرشده من الكيان الذي يمثله، فوقعنا ووقعت قيادة الاتحاد بتاريخها النضالي في مأزق، مأزق التصادم مع هذه العقلية، ومزيد من الفوضى لعدن، فتركوا يلهون ليشبعون حماسهم المنفلت، ننتظر لحظة وعي ترشدهم وواقع يصدمهم وأمل استعادة رشدهم.


الحركة العمالية عصية على العبث، عصت على عفاش وأزلامه في مجد قوتهم، حينما طردنا مندوبه من عدن، لتجتمع كلّ النقابات العامة، وتقر دورة انتخابية، حافظت على إرث الحركة وتاريخها وأدبياتها، كسلوك ووعي وقيمة لها معناها، حركة نقابية هي شريان العمل والعمال على طول وعرض الجنوب واليمن، تمثلهم وتتخاطب بلسانهم أمام الحكومة والسلطة مهما كان شكلها وجوهرها، لها دوائرها ولجنة الرقابة، والمؤتمر العام هو من يقيم عمل الهيئات ويحاسب ويكرم، الدورة الانتخابية وحدها القادرة على تغيير هيئات الاتحاد.


ما يحدث صورة تعكس مستوى وعي من يدعمون هؤلاء الشباب، إذ تتضح صورة العبث القائمة اليوم في عدن، من يدفع بها، ومن يمارسها، لوثة الماضي التي تسربت بين الشرعية والثورية، فلا يخلو منها انتماءات بعض هؤلاء الشباب.


كل كيان مسؤول على ضبط انفلات مناصريه أو من يمثلونه ويخاطبون الناس باسمه، هو المسؤول عن ممارساتهم، ويتحمل تداعيات سلوكياتهم. لذا ارحموا عدن وأبناءها من عبثكم وغباء حماسكم وطيشكم، صارت مسرحا لهذا الغباء والقادمين من خارجها لتشويه وجهها الحسن وحلتها الجميلة وأيقونتها التي عرفت بها على مر التاريخ، عدن عصية على العابثين، محمية برب العالمين ووعي أبنائها الشرفاء وتاريخها وعراقتها وإرثها على مر السنين.


 


 

Exit mobile version