مقالات

فصل المقال في أزمة حزب المؤتمر(9)

 


في المقالات الثمانية السابقة حررنا محل الخلاف القائم في صفوف حزب المؤتمر الشعبي العام، وبيَّنا الأسباب الأساسية للخلاف، وهي ليس كل شيء، فهناك قضايا سياسية واجتماعية وتشريعية وإدارية كانت وما تزال مواضيع خلاف، لكن تأثيرها أقل أهمية في الأزمة الراهنة، ومع ذلك لا ينبغي التغاضي عنها أثناء السير على طريق البحث عن حلول للأزمة التنظيمية التي حاقت بالحزب. سوف يعرض هذا المقال ما تيسر لنا التقاطه من المعلومات حول أبرز الجهود التي بُذلت حتى الثلث الثاني من العام 2018 في ميدان البحث عن الحلول. أما ماذا جرى عند منعطف العام نفسه وحتى اللحظة؟ فلا نعلم، ولذلك يصعب تقرير نتيجة معينة لما ستؤول إليه تلك التحركات أو المساعي. وما نعرفه هو أن التفاهم بين رؤوس الشتات في الخارج له دور كبير في استرداد حزب المؤتمر عافيته.


،،،


قبل البحث عن الحلول جرت ثلاث محاولات منفصلة لحسم موضوع القيادة، فخلال الثلاثة الأشهر التي أعقبت اغتيال رئيس المؤتمر في ديسمبر2017، جرت محاولتان متعاقبتان لوراثة منصبه: كانت الأولى في العاصمة صنعاء وهي الأسبق (7 يناير 2018)، وتمثلت في اجتماع اللجنة العامة واختيارها الشيخ صادق أمين أبوراس خلفاً لصالح، وتكليفه مع آخرين القيام بما هو تنفيذي حتى يتم انتخاب أمين عام للحزب.. أما المحاولة الثانية فقد كانت عدن ساحتها، وشهر مارس موعدها، حيث أعلنت القيادات المؤتمرية الألف اصطفافها إلى جانب الرئيس هادي باعتباره رئيس المؤتمر الشعبي بعد صالح وفقاً للنظام الأساسي للحزب. وسبقت المحاولتين محاولةٌ أقل أهمية، أبطالها بعض القيادات التي حضرت إلى أبو ظبي لتعزية السفير السابق أحمد علي في فقد أبيه، حيث حثته في نفس الوقت على النهوض للعب دور أساسي في قيادة الحزب. وقد فصلنا هذه المحاولات في مضانها.


 


بهتت المحاولة الأقل أهمية، أما المحاولتان الرئيسيتان فلم تستقرا على قرار، وكلا الفريقين في عدن – الرياض وصنعاء ما يزالان بعيدين عن أي قواسم مشتركة، ولذلك لم يتم حسم الخلاف، ولم تأت تلك الطريقة بقيادة تجمع الأفرقاء للأسباب أو العوامل التي صرفناها في أكثر من مكان.


 


يعترف كل فريق بالحالة المزرية التي وصل المؤتمر إليها في الوقت الراهن، وهي ليست محل رضا أو قبول أي فريق، ولا يقر في الوقت نفسه بأي دور له في خلق هذه الحالة المزرية.


 


 يراد الآن انتشال الحزب من المأزق، والحل الذي يسوق: اختيار قيادة موحدة.. وهذا جيد، لكن يظهر لنا أن الرغبة تتجه لتقرير هذا الحل السحري بمعزل عن كل الأسباب والعوامل سالفة الذكر، التي كونت المأزق نفسه.


 


برز إلى الواجهة ثلاثة يبلون في سبيل لمّ الشتات: الأول هو الدكتور أحمد عبيد بن دغر -الذي يعتبر نفسه النائب الأول لرئيس المؤتمر منذ نوفمبر 2014. في لقاء بمكتبه في قصر المعاشيق بمدينة عدن، قبل أكثر من عام، سمعنا منه كلاماً عن ضرورة لمّ شتات المؤتمر، وأنه من أجل ذلك يقوم بعمليات اتصالية مع قيادات مؤتمرية في السعودية ومصر والإمارات، وأن النقاش مع تلك القيادات أثمر نتائج جيدة حول بعض القضايا التنظيمية، وبقيت قضايا موضوع خلاف، ولكن النقاش حولها سوف يستمر، حسب قوله. ولم يشأ الرجل ذكر القضايا محل الخلاف وبين من ومن يدور الخلاف؟ وفي دردشة جرت بيني وبينه، قبل شهر تقريباً، قال إن المؤتمريين يجب أن يتوحدوا من أجل بقاء حزب مهم كالمؤتمر الشعبي، وأن يأخذوا العبرة من أحزاب يمنية وعربية كانت كبيرة، وباتت مجرد ذكريات بسبب تصلب المواقف حول القضايا الخلافية، وبسبب عوامل موضوعية – خارجية.


 


وبالطبع يتبنى ابن دغر عقد رئاسة المؤتمر الشعبي للرئيس هادي، ولكن بطريقة مختلفة عن الطريقة التي كان هادي يقاوم بها عبر أحمد الميسري وابن حبتور والشدادي وغيرهم، كما رأيناها في محاولة المؤتمر الشعبي الجنوبي. مع ذلك يلتقي ابن دغر مع مؤيدي أحمد علي عبد الله صالح عند ضرورة أن يكون لهذا الأخير دور أساسي في قيادة الحزب، وظهرت وجهة نظره هذه بعد اغتيال صالح مباشرة، وعبّر عنها علناً من خلال مقابلات أجرتها معه صحف عربية، قال في واحدة منها: إن أحمد علي منا وفينا. وفي حوار آخر نسب الجملة السابقة نفسها إلى الرئيس هادي، لذلك نعتقد أن الرئيس اقتنع بوجهة نظره، بعد أن كان قد اتخذ في وقت سابق مجموعة تدابير تحول دون حصول قرابات الرئيس السابق على فرص تمكنهم من امتلاك أو الاحتفاظ بأي عناصر قوة يمارسون من خلالها نفوذاً سياسياً في المستقبل. نقول ذلك اعتماداً على آخر إفادتين صدرتا عن ابن دغر، الأحدث منهما كانت في مقال طويل نسبياً نشره في ديسمبر الماضي على صفحته الرسمية في فيسبوك، وقبل هذا تحدث في أواخر سبتمبر عن خيارات عديدة متاحة لتوحيد الحزب، وناقش هذا الأمر مع قيادات مؤتمرية مقيمة في القاهرة التي زارها لهذا الغرض، إلا أن الخيارات العديدة أمست خياراً واحداً هو تكوين قيادة موحدة للحزب.


 


وتظل الأولوية بالنسبة لابن دغر، مؤتمراً يقوده الرئيس هادي، قيادة موحدة يتزعمها هادي بناءً على ضغوطه وتطلعاته التي يدعمها بسند من النظام الأساسي للحزب، وبقائمة طويلة من المؤيدين القدامى والجدد، فقد أضيفت إلى قائمة مؤيديه قيادات مؤتمرية جديدة من بينها حافظ معياد، فضلاً عن الأهمية التي يمثلها المنظمون الأول مثل: ابن دغر، رشاد العليمي، محمد الشايف، ومجلي… وآخرون كثر، أما خسارته عبد الكريم الإرياني فيمكنه الحصول على بعض التعويض لها من خلال: خالد الصوفي، وناصر باجيل، وسلطان البركاني… وغيرهم المحسوبين أصلاً على فريق أحمد علي عبد الله صالح. ففي شهر أغسطس الماضي كان الرئيس هادي الذي زار القاهرة حينها، اجتمع مع قيادات مؤتمرية هناك، أعضاء لجنة عامة، وأعضاء لجنة دائمة تمكنوا من مغادرة صنعاء، لتبادل الأفكار حول توحيد الحزب من خلال قيادة موحدة، وقيل إنه تمكن من استمالة قلة منهم إلى صفه، لدعم مسعاه في رئاسة المؤتمر، كما قيل إن آخرين مثل البركاني اقترحوا إجراء مصالحة بين الرئيس هادي والسفير أحمد علي، تقود ضمن ما تقود إليه، إلى تواصل مباشر بين الرجلين لبحث كيفية توحيد صفوف الحزب وتكوين قيادته.


،،،


إلى جانب ابن دغر ظهر لا على واجهة المساعي والتحركات المقصودة الدكتور أبو بكر القربي الأمين العام المساعد لشؤون الفكر والثقافة والإعلام، والشيخ سلطان البركاني الأمين العام المساعد لشؤون السياسة والعلاقات الخارجية. ففي شهر يونيو الماضي -وهذا على سبيل المثال- قاد الدكتور أبو بكر القربي، مجموعة من قيادات المؤتمر (البركاني، دويد، الصوفي، وباجيل)، في مهمة حزبية إلى أبو ظبي، حيث نظمت هناك لقاءات مؤتمرية – مؤتمرية، أي أنها كانت تتم مع أحمد علي، وكان الموضوع الأساسي البحث عن الطريقة المناسبة للمّ الأشتات أو توحيد المؤتمريين. وبعد ذلك انتقل الوفد إلى جدة السعودية التي شاهدت لقاءات مؤتمرية – مؤتمرية أيضاً، ولكن هذه المرة مع هادي والقيادات الموالية له، التي لم تكشف عن ما تم التواصل إليه، بينما قدم القربي والبركاني معلومات قليلة تضمنتها تغريدات غردا بها الاثنان بعد نحو أسبوع… قال البركاني إن وفد المؤتمر عقد لقاءات مهمة مع بعض القيادات المؤتمرية الفاعلة بغرض تجاوز حالة الانقسام التي تعرض لها المؤتمر الشعبي، وإن مثل هذه اللقاءات سوف تساعد على توحيد المؤتمر وانتظامه في المسيرة الوطنية، وستسهم في تحقيق مصالح المؤتمر واليمن، والقوى المؤمنة بتحقيق شراكة وطنية بعيداً عن أي استقطاب أو تدخل خارجي إقليمي أو دولي. بينما قال القربي إن توجه وفد المؤتمر إلى السعودية أو غيرها (يقصد أبو ظبي) لا يحمل أي أجندات خاصة، بل لتأكيد التزام المؤتمر بالثوابت الوطنية وميثاقه واستعادة وحدته وفقاً لنظامه الداخلي ولوائحه، والإبقاء على استقلاله بقراره، وأن الوفد أكد للمسؤولين السعوديين -الذين التقى بهم- تمسك المؤتمر بالسلام العادل والشامل الذي يضمن حقوق الجميع، ورفضه المساس بسيادة اليمن ووحدته وأي تهديد للأمن القومي العربي.. وبالعودة إلى البركاني فقد ثمن الوفد المؤتمري تمسك السعودية بالحفاظ على سيادة اليمن ومصلحته ووحدته وأمنه واستقراره، وحرصها على وحدة وفاعلية المؤتمر الشعبي العام. وأن الوفد بحث من المسئولين السعوديين، خلال تلك اللقاءات جهود إحلال السلام واستعادة الدولة والتصدي لكل ما يهدد استقرار اليمن والسعودية وأمنهما القومي، ومواجهة التدخل الإيراني، وتحقيق المصالحة بين كافة القوى السياسية اليمنية، وضمان مشاركتها في بناء الدولة.


،،،


وعلى الرغم من تواري نتائج اللقاءات وراء العبارات العمومية السابقة، يظهر أن اللقاءات المؤتمرية- المؤتمرية لم تفض بعد إلى وفاق حول شيء محدد له علاقة بالقضية الأساسية، وهذا ما يمكن فهمه من إشارة البركاني أنهم اتفقوا على استمرار التشاور والتنسيق لإزالة أي تباين قائم وفقاً لما تقتض به مصلحة المؤتمر ووحدته ومتطلبات المرحلة، تماماً كما قال ابن دغر قبله: بقيت قصايا موضوع خلاف، ولكن النقاش حولها سوف يستمر.


 


على أن استنتاجنا السابق لا ينفي أهمية وضرورة مثل هذه اللقاءات والاتصالات لجهة التقريب بين المختلفين، وربما أن غياب الشفافية يخفي عن المتابع بعض النجاح الذي تحققه، وكلما استمر وتراكم ربما يؤدي إلى الوصول لتوافق حول قيادة موحدة لمؤتمر الخارج على الأقل، في وقت نرجو أن لا يكون طويلاً. ويدعونا الدكتور القربي إلى قدر جيد من التفاؤل بهذا الشأن، كما في الانطباع الذي خرج به من القاهرة أواخر يوليو. قال إنه أمضى عشرة أيّام في القاهرة في مقابلات مع عدد من قيادات المؤتمر، وإنه غادرها وهو أكثر ثقة بأن مخطط شق صف المؤتمر قد فشل، وإن المؤتمر أكثر تماسكاً وأصلب عوداً، وأن قيادات الداخل والخارج موحدة في الانتماء والهدف، وما يروج له من خلافات بينها لا صحة له إلا في عقول المتآمرين عليه. وتلاها بأخرى في شهر أغسطس، وهي أن المؤتمر العام  لن يكون ملكاً لفرد أو جماعة أو أداة لذوي الثروة أو السلطة، لأنه أصبح ملك الملايين من أعضائه الملتزمين بميثاقه، المدافعين عنه أمام كافة أشكال مؤامرات خصومه في الداخل والخارج، سواءً اتخذت المؤامرة شكل الإلحاق أو الاختراق، أو الإغراء!


،،،


لاحظنا حتى الآن أن كل المحاولات والجهود التي سبق عرض الجزء المتاح منها، تدور حول قيادة موحدة، هي توحيد قيادات الخارج، وهي وإن كان موضوعها الجوهري المؤتمر الشعبي بصفة عامة، إلا أنها تتم بمعزل عن قيادة المؤتمر في صنعاء… ما دورها، أين موقعها؟ بل إنه باستثناء موقف الرئيس هادي ومؤيديه ومجايليه الواضح من صنعاء، فإن موقف الآخرين غير محسوم بوضوح، وكل ما يقال حتى الآن إما عبارات عاطفية من قبيل: إنهم هناك واقعون تحت سيطرة المليشيات الإيرانية، ولذلك يتعين علينا تقدير وضعهم وأن نعذرهم، حسب تعبير بعض مؤيدي هادي.. ومرة قال ابن دغر: لن نعتبرهم خصوماً، أو نستهدفهم بأي كلام!


 


كانت الإشارة الإيجابية من طرف الدكتور القربي حوالى منتصف العام الماضي، إذ ذكر أن تحركاته والمجموعة التي قادها جاءت بناءً على مشاورات تمت بين قيادات المؤتمر في الداخل والخارج، أفضت إلى توافقها على عدد من القيادات وكلفتها التحرك نحو دول الإقليم والدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، للتأكيد على أن المؤتمر ينشد السلام ويعمل لمصلحة اليمن وشعبه بكل مكوناته وفي شراكة وطنية لا تستثني أحداً.


 


 (*) عضو اللجنة الدائمة الرئيسية


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى