مقالات

مؤقته على كم مَلِه؟

 


أصحابنا الحبوبين في الشرعية، أولئك الذين نحن مواطني الجمهورية اليمنية من رعاياهم، لهم أربع سنين عايشين بسلامة أرواحهم في الفنادق، وكل يوم يضجوا رؤوسنا بالعاصمة المؤقتة، ولا قالوا لنا مؤقتة على كم مله؟ على سبع ونص الصبح مثلاً، وإلا على ثمان وربع، وإلا على الساعة تسع تماماً؟ لازم نعرف مؤقته لا أيحين؟ عشان نضبط مواعيد رقادنا وصحونا ونكون عارفين رؤوسنا من أرجلنا، وإلا قصدكم إنكم مخليين الموضوع مفاجأة مخباية لنا إلى عيد الأم مثلاً؟!


وقالوا لنا إنهم حرروا 80 % من الأراضي اليمنية ولكنهم عايشين هاناااك ومش راضين يرجعوا يجلسوا معانا حتى فوق شبرين من الـ 80 % ولا عندهم حتى شوية وقت يجو يغيروا لهم جو عندنا ويشموا لهم شوية هواء نُقيح، مخليين الـ 80% لنا وحدنا نبترع فوقها وهم جالسين هاناااك في هاذيك البلدان البعيدة يحررونا صبح وليل وما عندهم وقت يضيعوه في الهبالات ولا يشتوا يقولوا لنا حتى مؤقته لا أيحين طيب؟!


طيب أنتوا عارفين ياخبرة إن ما فيش معانا في البلاد كهرباء كافية ولا ثلاجة كبيرة يمكن أن نطرح الـ 80% داخلها واحنا خايفين الصدق لا تخيس علينا وتُحرم وأنتوا هاناااك في الفنادق وحالفين يمين الله ما ترجعوا البلاد إلا وقد أراضي اليمن كلها 100% محررة! واحنا نقولكم لا تتعبوا حالكم معانا كثير، وعارفين أنكم مجتهدين وبتذاكروا كويس ونتفهم جيداً أن المنهج جديد عليكم، ومتأكدين أنكم في امتحان صعب أصلاً، ومش ضروري تحصلوا على الدرجة النهائية 100% وتجو من الأوائل عشان ترفعوا رؤوسنا بين الأمم.


صدقوني والله حتى 50% كافية لأن تعودوا لمواصلة التحرير من أي زوة داخل البلاد التي أنتم بصراحة مضحيين من أجلها قوي قوي، ولكن قولوا لنا بحجر الله ليش خايفين من الرجوع إلى الـ 80 %، وليش مش راضيين تقولوا لنا هذه العاصمة المؤقتة إلى متى ستظل مؤقتة؟ ولا أحد منا يعرف حتى كيف يضبط ساعة الوقت عنده! هل نضبطها على ميقات السعودية مثلاً؟ وإلا على ميقات الإمارات؟ وإلا على ميقات قطر الدولة الصغيرة؟ ولا واحد منهم تكرم وظهر علينا من شاشة التلفاز عشان يطمنا ويقول لنا على الأقل وأن العاصمة مؤقتة على كيت كيت عشان نفهم ونكون مستعدين وعارفين نضبط الساعة على كم!


والمشكلة انكم عايشين حياتكم في الفنادق وفي الشقق المفروشة وعاملين فيها وبكل وقاحة أنكم دولة عظمى! الوزراء وزراء والسفراء سفراء والمحافظين محافظين والوكلاء وكلاء ونائب للرئيس ونواب لرئيس الوزراء ومشاركات في محافل دولية من أجل المناخ والبيئة والتخطيط الحضري وتنشيط السياحة في بلاد ما عد تقدر تركب فيها متور للحارة الثانية وأنت آمن! وألوية عسكرية مشتتة هنا وهناك في جيوش لو تجمعت على كلمة واحدة من أجل قضية وطنية خالصة لكنا تخلصنا باكرا من هذه المحنة العويصة، ووفود تروح وتجي ومواكب وقرارات تعيين بالهبل لأناس ولا يسووا بصلة وبرقيات عزاء ومواساة لرؤوساء وملوك الدول الصديقة والشقيقة وهنجمة وهيلمان والسروال مخزوق! ولا أحد منهم يستحي على نفسه أو يجخل أو يقول لنا طيب مؤقته إلى أيحين؟!


مع أنه يفترض بهم أن يكونوا الآن في حكومة حرب، حكومة مهام مصيرية لا يتعدى قوامها أربعة وزراء ورئيس واحد يعيشون معاً في غرفة عمليات واحدة داخل شبرين من الأراضي المحررة، ولديهم خطط واضحة للتحرير، وخطاب وطني واضح المعالم وعقيدة قتالية وطنية موحدة تحارب الحوثيين، مش لأنهم روافض ومجوس، هذه ليست قضيتنا اليمنية التي تستحق التضحيات، ولكن على الشرعية، أي شرعية محترمة ولديها مشروع دولة أن تحارب الحوثيين وتسعى لتحرر البلاد منهم لأنهم وبكل بساطة يمنيون انقلبوا على العقد الاجتماعي المتعارف عليه وأرادوا أن يحكموا البلاد بقوة السلاح وبالهنجمة والعيفطة وخرافة النطفة المقدسة.. وهذا بحد ذاته ما لا يقبله أي يمني حر مؤمن بالعدالة وبالمواطنة وبالحقوق والحريات وبالدولة المدنية التي تصون كرامة كل إنسان في البلد.. وهذا بحد ذاته أيضا كفيل بأن يلتم اليمنيون جميعهم في صف واحد من أجل استعادة الدولة. كما وأن كل يمني سيفتدي الشرعية حينها بأغلى ما لديه، وسيصبر ويجوع ويتحمل ويعاني وهو عارف ومطمئن أصلا بأنه في الموقع الصح وبأنه يخوض المعركة الأهم في حياته وبأن الشرعية القريبة من هموم وأحلام وتطلعات اليمنيين هي قوة الحق التي لايفترض بأحد أن يخذلها..


لكن الذي حاصل منذ أربع سنوات في حكومة الفندق بات أمرا محبطا ومدمرا للمعنويات ولا إنهم حررونا ولا إنهم ساعدونا حتى من أجل أن نحرر بلادنا معهم بطريقة صحيحة ولا هم راضين يقولوا لنا طيب مؤقته هذه إلى متى ستظل مؤقتة؟ لأنو إحنا طفشنا الصدق وصبرنا أوشك على النفاد، وهم هانااااك موسحين في الفنادق وما عندهم حتى ذرة إحساس، بنا ولا يشعرون بالوقت الذي يضيع من اعمارنا واحنا مراعين لهم، ولن يشعروا بذلك أبدا، لأن الوقت في صالحهم ومش هم خاسرين شيء أصلا، وعندهم استعداد يضحوا من أجلنا ويجلسوا يحررونا من هانااااك الدهر كله حتى!


وليش وعلى أيش يستعجلوا بالتحرير أصلاً؟ رواتبهم بالدولار، وسفريات ومكافآت وعلاوات وحوافز ومناصب ومافيش واحد منهم عنده مشكلة مع أبو البقالة أو مع المؤجر، وأمورهم اليومية ماشية آخر حلاوة، وسمنوا وارتاحوا وأصبحوا يرتدون أفضل البدلات، وعيالهم يدرسوا في احسن المدارس، وإذا مرض واحد منهم يتعالج في أفضل المستشفيات، ولا هم مضظرين للنوم بين الحمى والغبار والنامس ويسيرون في هاذيك البلدان التي يحررونا من داخلها بالوايرلس في شوارع آمنة وعيالهم يلعبوا في الحدائق ونسوانهم ولا واحدة منهن عندها السكر والضغط من كثرة القوارح، وكل شيء بالنسبة للشرعية الموقرة نعيم وفير وجنة لا يراد لها نهاية.


إحنا المدبرين عيال المدبرين رعايا الجمهورية اليمنية اللي مبهذلين في الداخل ومتعثرين، وحياتنا واقفة، وأيامنا ثقيلة، وأوقاتنا صعبة، ونازحين ومشعتلين وعايشين على طوابير الذهاب إلى الكريمي لاستلام رواتب لاتأتي بسرعة ولا تكفي لأسبوع، ونسير في شوارع غير آمنة، وننام ونصحو داخل مساحة ال80 % في بيوت لا يزورها الفرح ولا تطرق السعادة بيبانها، ومش معقول يا خلق الله نجلس مراعين لكم أكثر مما قد انتظرنا، ولابد أن يكون هناك حل سريع قبل أن تُحرم علينا وعليكم ال80 في المائة وتتعطل الساعة وإحنا مش عارفين نضبط توقيتها على كم وعلى أي دولة وعلى أي ميقات؟ وصار من المفترض بنا الآن عموماً أن نعرف متى يجب أن ننام، ومتى ينبغي علينا أن نستيقظ.


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى