مقالات

هذا الإرهابي ليس وحيداً

 


الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت الذي ارتكب مجزرة مزدوجة في مدينة كرايست تشيرش في نيوزيلندا، راح ضحيتها 51 شخصاً وأكثر من أربعين جريحاً، كانوا يؤدون الصلاة في مسجدين، لم يكن ليقوم بجريمته البشعة بحق مسلمين أبرياء لو لم يكن مؤهلاً فكرياً ونفسياً لفعلته، ولو لم يكن قد خطط بشكل مسبق وعن سابق تصميم وترصد.


هو نموذج «داعشي» آخر، يستلهم فعله من فكر ديني وسياسي منحرف لا يمت لأي دين بصلة، ولا علاقة له بقيم ومثل إنسانية. هو في الحقيقة كاره لكل دين حتى دينه الذي يدعو للمحبة والسلام، ورافض للتعايش الإنساني ومبدأ التسامح بين بني البشر، ومشبع بالعنصرية والحقد.


هذا الفعل البشع الذي اقترفه بكل دم بارد وهو يسجل جريمته بالصوت والصورة، ولحظة بلحظة، منتشياً، مبتهجاً، ومعلناً كراهيته للمسلمين والمهاجرين الذين يصفهم ب«الغزاة»، ليس منفصلاً عن حملة تشويه الدين الإسلامي، والتخويف من المسلمين التي تجتاح العالم الغربي منذ سنوات، وتقودها أحزاب يمينية متطرفة وشخصيات وهيئات ومنظمات مرتبطة بالصهيونية، إضافة إلى رؤساء دول يعلنون مواقف يمينية متطرفة ضد المسلمين والمهاجرين، ويدعون لإقامة حواجز وأسوار بين الدول تعبيراً عن فكر عنصري كاره للآخر.


البيان الذي أصدره الإرهابي الأسترالي الذي يحدد فيه أسباب جريمته، ومواقفه من المسلمين والمهاجرين هو «مانيفستو» عنصري بامتياز، يحاكي النازية والفاشية ولا يختلف عن «قانون القومية» الذي اعتمدته «إسرائيل» دستوراً لدولة يهودية صافية لا مكان فيها لغير اليهود، أي دولة نقية من الفلسطينيين العرب أصحاب الأرض.


والبيان بمعنى آخر هو إعلان حرب على كل الأجناس البشرية من غير البيض، وهو تعبير عن أعتى أشكال التمييز والحقد والكراهية ضد الآخر الذي يختلف عرقاً ولغة ولوناً وثقافة وديناً.


لا يعبر هذا الإرهابي عن نفسه أو ما يجول في فكره فقط، إزاء ما أقدم عليه من جريمة تصل حد الإبادة المقصودة. إنه في الحقيقة يعبر عن قطاع واسع من عامة الناس في الغرب، وعن أحزاب وقادة وشخصيات سياسية وفكرية ووسائل إعلامية نفخت ولا تزال في بوق العنصرية والكراهية ضد العرب والمسلمين. فهو يجاهر بأنه «لا يشعر بالندم» و«يتمنى فقط أن يستطيع قتل أكبر عدد ممكن من الغزاة»، و«ليس هناك بريء بين المستهدفين»، وأنه اختار نيوزيلندا هدفاً لجريمته لأنها «هدف ثري وبيئة لا تقل عن مثيلاتها في الغرب». أما الأهداف العملية لجريمته فلخصها بالقول: «لإقناع الغزاة بأن أراضينا لن تصبح لهم أبداً»، معتبراً «أن تدفق المهاجرين على الدول الغربية يشكل أخطر تهديد لمجتمعاتنا». ولم ينس في ختام بيانه إعلان دعمه للرئيس الأمريكي ترامب «كرمز للهوية البيضاء المتجددة». وكأنه يتخذ من ترامب مثله الأعلى، يسير على خطاه في تأجيج الكراهية والعنصرية والحقد بين الشعوب والأديان.


هذا السفاح هو نموذج لظاهرة الإرهاب التي بدأت تنتشر كالهواء الأصفر، وتتخذ من الدين والعنصرية والتفوق العرقي ستاراً لارتكاب جرائمها ضد الإنسانية، ما يشكل خطراً فعلياً على أمن وسلامة البشرية، إذا لم يتحد العالم بأسره لاجتثاث هذه الآفة من دون تمييز.


 


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى