مقالات

الإمارات.. رؤية واضحة في دعم الشرعية

 


مع دخول العام الخامس من عاصفة الحزم تبدو السعودية والإمارات تمتلكان رؤية واضحة تجاه نقطة الصفر التي منها انطلقت العملية في 26 مارس 2015، فقرار الحرب انطلق من حماية الأمن القومي العربي، على اعتبار أن التمدد الإيراني في اليمن وصل إلى تهديد صريح بمحاولة إيران فرض نفوذها على باب المندب مما يعني وضع العالم العربي كاملاً تحت أنياب الإيرانيين.


عندما أطلق الحوثيون مناورة عسكرية بمحاذاة الحدود السعودية في مديرية كتاف شمال صعدة كانت قواتهم العسكرية تطلق حملة عسكرية شرسة لإخضاع العاصمة المؤقتة عدن، كان الموقف لا يحتمل تأجيل قرار شن عملية عسكرية مضادة، فالمحاولة الإيرانية كانت تهدف للسيطرة على مدينة عدن ومن خلالها فرض واقع جيوسياسي على المنطقة والعالم، وكانت القوات الحوثية على تخوم السعودية تستعد فعلياً لغزو الأراضي السعودية بحيث تنقل المعركة للتراب السعودي بينما تكون القوات الأخرى قد فرضت سيطرتها على عدن.


في 21 مارس 2015 التقى خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بقيادات مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وتم عرض الموقف في اليمن، وطلب الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي دعم المؤسسة الشرعية التي انقلب عليها الحوثيون، في قصر العوجا بمدينة الرياض صدر قرار عاصفة الحزم التي انطلقت فجر يوم 26 مارس لتعيد صناعة الموقف السياسي بمقتضيات حماية الأمن القومي العربي.


منذ اللحظة الأولى برز دور الإمارات العربية المتحدة في مشاركتها مع السعودية ضمن تحالف دعم الشرعية، ويعود ذلك لاستراتيجية الإمارات التي أسسها الشيخ زايد، رحمه الله، فمبدأ الالتزام بدعم الأشقاء العرب ليس بجديد على الإمارات منذ حرب أكتوبر 1973م ومروراً بتحرير الكويت 1991م ووصولاً لتأييد ثورة 30 يونيو المصرية، محطات تاريخية كانت تمهد لموقف إماراتي ملتزم مع السعودية في صيانة الأمن العربي وإسناد الموقف السعودي.


الإمارات، الدولة الحديثة الصاعدة في العالم، كان عليها أن تختبر قوتها العسكرية التي أظهرها الجنود الإماراتيون في تحرير عدن، فلقد شكلت القوة الإماراتية منذ الإنزال المظلي وحتى البحري وما بينهما من عمليات عسكرية دقيقة جرت في مواقع مختلفة من مدينة عدن واستطاعت مع عناصر المقاومة الجنوبية من إطلاق عملية «السهم الذهبي» التي أنجزت الانتصار العربي الأساس بقطع اليد الإيرانية كواحدة من أهداف عاصفة الحزم بتأمين باب المندب.


بتنسيق سعودي إماراتي توسعت العمليات الميدانية واستطاع التحالف العربي من تحرير محافظات لحج والضالع وأبين وهي المحافظات المحيطة بمدينة عدن، وكان على التحالف أن يتعامل مع مختلف التحديات، بداية من أسرى الحرب وحتى إيصال المساعدات الإنسانية العاجلة للمناطق المحررة، هذه النوعية من التحديات تتطلب استراتيجية خاصة بسبب استمرار العمليات القتالية مع ميليشيات الحوثي، وهذا يتعين عليه تأهيل لأفراد القوات العسكرية الإماراتية العاملة ضمن التحالف. بعد عام من انطلاق عاصفة الحزم خاضت القوات الإماراتية المسلحة تجربة مختلفة تماماً فلقد تعين على التحالف الذي تقوده السعودية تحرير مدينة المكلا التي كانت عناصر تنظيم القاعدة الإرهابي قد فرضت السيطرة عليها، التحدي هنا أن عدد سكان المدينة يقترب من نصف مليون، والإرهابيون عملوا على تفخيخ ميناء الضبة النفطي الذي كان يحتوي على مخزون نفطي بمليون برميل، وكان يتعين أن تكون العملية خاطفة وسريعة. قامت الإمارات بتأهيل قوات خاصة لمكافحة الإرهاب من أبناء حضرموت وبإسناد من القوات الإماراتية انطلقت عملية تحرير المكلا في 24 أبريل 2016م وانتهت بتحرير كافة الساحل الحضرمي وامتدت عمليات ملاحقة العناصر الإرهابية على كافة الشريط الساحلي لبحر العرب لتستكمل النخبة الشبوانية ما بدأته النخبة الحضرمية حتى تأمين كافة المحافظات الجنوبية بتضييق الخناق على الجماعات الإرهابية، مما أدى إلى انحسار نشاطات تنظيم القاعدة وداعش وهذا ما أشادت به الولايات المتحدة، حيث أمّنت خفر السواحل التابعة لنخبة حضرموت تأمين مسافة 350 كلم بحري في البحر العربي. إنسانياً أسهمت الإمارات بدور رائد بعد أن قدمت ما يقارب ستة مليارات دولار.


وامتدت يد الإمارات في استراتيجية الإسناد الإنساني إلى البنية التحتية في قطاعات الصحة والتعليم والأمن، وأسهمت في علاج مئات الجرحى من جنود المقاومة والجيش الوطني كما أنها قدمت خدمات صحية لمئات الأسر في مناطق نائية، إضافة لتدخل الهلال الأحمر الإماراتي في التعامل مع الأعاصير التي ضربت حضرموت وسقطرى. في سنوات عاصفة الحزم كانت الدبلوماسية الإماراتية واحدة من أكثر اللاعبين أهمية، خاصة وأن القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي 2216 تطلب إسناداً سياسياً كبيراً، يضاف إلى ذلك أن الإمارات قدمت ثباتاً في التزامها حيال الأمن القومي العربي، وتبدو هذه الجزئية امتداداً لموقف الإمارات منذ حرب أكتوبر 1973م ومروراً بكثير من المواقف التي أكدت فيها مواقفها الواضحة، التي وصلت لتقديم الإمارات فلذات أكبادها في تحرير العاصمة الجنوبية عدن وتحرير مأرب وتحرير عشرات الكيلومترات من الساحل الغربي لليمن، والمشاركة الفاعلة في تحرير الساحل الحضرمي. سنوات عاصفة الحزم تمثل نقلة نوعية للإمارات على كافة المستويات، فالاختبارات الدقيقة أظهرت معادن الرجال وصلابتهم ومنحت الفرصة لقراءة مدى قدرة البنية التحتية دبلوماسياً وعسكرياً وإعلامياً في لعب الأدوار المتقدمة والتأثير الإيجابي في مجريات ومتغيرات السياسة والحرب.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى