مقالات

اليمن الممزَّق ليس بيئة ضامنة لأمن الجوار

 


▪الصراعات الداخلية التي تحافظ على طابعها السياسي تنطوي على محاسن جمّة، لأن أطرافها يتنافسون في حدود الوطن وباسمه وفي إطاره، ثم إن مداها الزمني ليس أبدياً بلا نهاية، وذلك بعكس الصراعات التي تكتسب طابعاً جذرياً من النوع الديني والثقافي والهوياتي، فإنها، إضافة إلى استحالة حسمها عسكرياً، ترسم حدوداً، وتشيد جدراناً مضرجة بالدم بين أبناء الوطن في الوقت الذي تهدم فيه حدود الوطن مع الخارج.


 


قد تتوضح الفكرة أكثر لو استحضرنا ما كتبه مونتيسكيو عن بلده فرنسا: “شهدنا في فرنسا نوعين من الحروب، حروب اتخذت الدين ذريعة فطالت لأن الباعث عليها يظل قائما أيا كان الفائز، وحروب سببها تهور أو طموح بعض الكبراء فهذه خمدت بعد مدة قصيرة”.


 


إنك إذا تحركت سياسياً وعسكرياً بباعث من هويتك المذهبية أو الجغرافية أو الإثنية، فأنت بذلك تغلق حركتك على كل من ليس داخلاً معك في هذه الهوية الصغيرة،


أما إذا تحركت من دائرة هوية أوسع، وطنية مثلاً، فأنت تترك مجالاً لمن يرغب في الالتحاق بحركتك لأنه يجد فيها انعكاساً لمصالحه وآماله.


 


▪في الواقع، لا تزال دينامية الأحداث في الصراع اليمني تسير في طريق التفكيك الذي لم يستقر بعد على شكل محدد. ‏الرعاية والاعتراف الإقليمي مخصصان تحديداً للجماعات والتنظيمات المحلية التي لا يتناسب بناؤها المؤسسي وتكوينها الخاص وخطابها إلا مع يمن مجزأ.


 


نشير هنا إلى التأثيرات الانقسامية الصادرة عن أنشطة الأطراف الإقليمية “المتنافسة”، والتي انخرطت في المسألة اليمنية بصورة مباشرة، أو تلك القوى الحاضرة في المشهد رمزياً عبر حليف محلي مخلص ومتفانٍ في تقليد بعض مظاهر نموذجها بحيث تجني هي فوائد هذا التقليد لتعزيز مكانتها الدولية دون أن يكلفها الكثير.


 


هذا الاتجاه، بلا شك، محزن بالنسبة لأي وطني. لكن هل هذا جيد بالنسبة للسعودية وتحالفها؟ هل من المريح والمثالي أن تصمم لكل شظية من اليمن، ولكل مكون، سياسة خاصة؟ هل اليمن الممزق يمثل بيئة مثالية ضامنة لأمن ومصالح دول الجوار؟


المنطق يقول لا.


 


في ديسمبر 2018، نشر معهد كارنيجي لدراسات الشرق الأوسط ترجمة عربية لمقال تحليلي عن “تهجين الأمن” أو “الأمن المرقَّع” في اليمن، باعتبار ذلك أحد أبرز مظاهر تشرذم الدولة اليمنية. يتحدث المقال الذي أعده إليونورا أرديماغني عن القوت غير الرسمية التي باتت تتقاسم مهمة سد الفراغ الذي خلفه الجيش: “في اليمن اليوم، ما من نظام أمني من القمة إلى القاعدة، بسبب الطابع المحلي الكبير الذي يتّسم به قطاع الأمن، ناهيك عن أن العديد من الأجهزة الأمنية باتت تستند إلى عملية تهجين بين المجموعات العسكرية الرسمية وغير الرسمية، ما أدّى إلى نشوء نوع من “الأمن المُرقّع”.


 


وبحسب المقال فإن مفهوم “الأمن المُرقّع” يشير إلى “أن الدول المُتشرذمة، كاليمن، تؤثِر الاتفاقات الأمنية المحلية على الأطر الوطنية الشاملة، فتكثر الجهات الأمنية المتنافسة، مثل حالات التعايش/التعاون بين الجيوش والجهات المسلحة غير الحكومية، ما يفسح المجال أمام تجارب أمنية هجينة على مستوى المعارك، ولاحقاً على مستوى الحوكمة”.


 


ويضيف: “يتميّز هذا النوع من الحوكمة الأمنية بعلاقات قوة أفقية لاعمودية، إذ يتم تشكيل التسلسل الهرمي على المستوى المحلي، لأن الدولة المركزية ليست فقط عاجزة عن توفير الأمن في الأراضي كافة، بل متنازَع عليها أيضاً، وتعتمد على “وجوه غير نظامية” للبقاء والاستمرار”.


 


ويستشهد المقال بالأوضاع الأمنية في عدن حيث “تملك كل منطقة أو مديرية جهاتها الأمنية الخاصة، وتخضع أحياناً إلى سيطرة مُختلطة، تتراوح بين كلٍّ من قوات الحزام الأمني، وقوات الحماية الرئاسية، والميليشيات الانفصالية، والفصائل الجهادية”.


 


وفي حضرموت، يواصل المقال، “قامت قوات النخبة الحضرمية ووحدات الجيش في المنطقة العسكرية الأولى بإنشاء منطقتَي نفوذ: تقع الأولى في المكلا والساحل، والثانية في شمال وادي حضرموت. وفي صنعاء وضواحيها، يحكم الأنصار السابقون للرئيس صالح مع اللجان الشعبية الحوثية، ما يعزّز عملية التمازج بين القوى الأكثر تنظيماً وتدريباً في اليمن، من جهة، وبين أكبر ميليشيا من جهة أخرى”.


 


وأشار الكاتب إلى أنه “يمكن اقتفاء آثار التهجين أيضاً في الكثير من ساحات القتال: ففي الحديدة، يتولّى طارق صالح، نجل شقيق الرئيس السابق، قيادة قوات الإنقاذ الوطني، وهي عبارة عن تحالف قتالي يضم موالين لقوات الحرس الجمهوري المنحلّة، ومقاتلين محليين تابعين لمقاومة تهامة، وسلفيين جنوبيين من “لواء العمالقة”. وفي تعز، يُحارب لواء أبو العباس ضد الحوثيين إلى جانب قوات تحظى بشرعية الدولة (مثل اللواء الخامس- حماية رئاسية)، وهو تعاون مع وحدات طارق صالح لتسهيل الهجوم الذي قادته الإمارات العربية المتحدة على الحديدة، والذي بدأ في حزيران/يونيو 2018″.


 


وأضاف: “وفي محافظة صنعاء، تُواجه فلول الفرقة الأولى- مدرّع في الجيش اليمني، التي يقودها الفريق الركن علي محسن الأحمر (وهو راهناً نائب الرئيس ونائب القائد الأعلى للقوات المسلحة)، الحوثيين إلى جانب الميليشيات القبلية”.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى