مقالات

الانتقالي وتعز.. خطاب سيئون تأزيماً وليس تطبيعاً

 


قبل سنة، تقريباً، التقيت سلطان البركاني في أبوظبي.


ضمن نقاش طويل حول كل ما وصلت إليه البلاد، سألته: هل تتواصل مع المجلس الانتقالي؟


 


وكان واضحاً أنه ينظر للانتقالي نفس نظرة دولة صنعاء للحراك الجنوبي، وطبعاً أتكلم عن زمن كان لصنعاء دولة.. أمَّا الآن فأصبح الحراك الجنوبي هو الطرف الوحيد الذي له قضية وأرض وموجود بين مواطنيه، فيما دولة صنعاء مجرَّد نازحين ومشرَّدين وقتلى..


قلت له: إنْ لم تغيّروا تقييمكم للأحداث والفاعلين والمشاكل والمعالجات، فما فشلتم فيه وأنتم دولة لن تحققوه وقد صرتم مشرَّدين..


فليكن لنا ملاحظات ضد الانتقالي، حتى لنتمنى تغيير اتجاهاته، الأهم أولاً الإقرار بوجود قوة على أرض تحرَّرت من الحوثي الذي انهارت تحته كل بقايا الدولة والثورة.. ثمَّ لنتحاور..


قبل ذلك، هل نحن أصلاً نرى أنفسنا..


قبل تقييم الانتقالي، من نحن.. ماذا نمثِّل، هل أصلاً نمثل شيئاً حاضراً على الأرض، وكم هي كلفة وتركة أخطاء الماضي التي ارتكبناها..


إنْ لم يكن كلّ هذا الأسى الذي يسيطر على بلادنا داعياً لنا لتقييم عميق وموجع ينتج محاولات شديدة الاختلاف.. فإذاً ما زلنا نُكابِر، ولن نحقِّق شيئاً سوى المزيد من التدهور والخراب.


 


اليوم قال البركاني في كلمته “أدعو كل المكونات السياسية لنبذ المشاريع الانفصالية في اليمن، ونطالب مسؤولي الأجهزة الحكومية بالانتقال لعدن لممارسة مهام أعمالهم”.


 


بعد سنة من حوارنا، لا يزال شيخنا العزيز كأنه في 2007..


حتى وهو يبحث عن أرض تأوي بقايا برلمانهم، يتحدث بتلك المفردات التي كان لمنهج تفكيرها الدور الأهم في سقوط الوحدة الطوعية في 94، وفي فشل الوحدة القسرية إلى 2003، ثم وحدة التسويات والترضيات بعد ذلك.. ثم صراع الدَّم الذي يفترض أنه توّج الانهيارات كلها..


 


صنعاء انفصلت كلياً عن كلِّ ماضي الجمهورية اليمنية وحاضرها في 2017.. والجنوب، ومنه سيئون، ما كان للبرلمان أن يجد بقاياه مكاناً فيها لو لم تتحرَّر من دولة الحوثي الوحدوية..


 


يمكن القول إنّه تركها عائمة كأنَّه يقصد دولة مأرب، ودولة الحوثي ودولة الانتقالي معها، لكن هي نفس المشكلة، حينما يتحدثون اليوم ضد الانفصال.. فهو انفصال مَنْ عن مَن؟


هادي والبركاني ومن معهما انفصلوا عن البلاد كلها وعايشين في بلاد الغربة.


 


هل يدركون واقعهم وواقعنا وواقع الأطراف كلها؟


 


اليوم تعاني تعز، من تسلُّط إخواني يحرمها حتى من ظروف مأرب التي يسيطر عليها الإخوان أيضاً.


وأجزم أنه لولا تملمُل تعز وارتفاع صوتها لَمَا قبِل الإخوان بالبركاني رئيساً للبرلمان..


وذات الأمر، لوصولهم إلى طريق مسدود جنوباً، فالجنوب تحرّر من الحوثي ومن الإخوان ومن أدواتهما كلها على الأرض..


 


ولو أنَّ شرعية البرلمان هذه قادرة على تركيع تعز واستعادة الجنوب، كان ممكناً تفهُّم هذه المحاولات، لكنها لن تفعل، فقط ستزيد من فرصة استمرار الحوثي شمالاً، هو لا يكترث للشكليات التي انتهى دورها قبل وصوله هو..


وهذه الشكليات، أيضاً، ستواصل تأزيم المناطق المحررة، وليس كما يقول خطاب اليوم “تطبيعها”.


تطبيع المناطق يأتي من ترك التحايلات المركزية الكذابة، فهي قد فشلت مرة ومرتين وثلاث..


ثم لم تنتصر المناطق أصلاً، إلا حين رمت رداء المركزية واستحثت قواها المحلية.


 


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى