حالة ثقافية
تشكل الفنون على اختلاف أنواعها ملمحاً حضارياً يعكس نهضة الدول ونموّها، ويؤكد حالة التعافي والاكتناز المعرفي والثقافي لها، فالكتاب واللوحة التشكيلية والقصيدة جميعها تترجم هذا المستوى من التحضّر والارتقاء في مدارج الإبداع والتميز.
ولعل اهتمام الدول بالمناحي الثقافية والفنية يأتي إدراكاً بأهمية الفن والثقافة في بث حالة من الجمال والمنظومة الفكرية والقيمية التي تنعكس على المجتمع وسايكلوجية أفراده. وما حالة التكريم للمبدعين في شتى حقول الثقافة والمعرفة وتهيئة السبل بنهضة الفكر إلا استجابة لهذه التغيرات كضرورة حتمية بوجودها، وهو اهتمام يعطي رسالة بليغة وواضحة بأن هذه الثقافة وتلك الفنون ليست ترفاً أو مجرد أوقات يتم تزجيتها بلا عمق فكري أو معرفي أو ثقافي.
والمتتبع للتغيرات التي تعيشها مملكتنا الغالية لا يمكن له بحال من الأحوال ولا لأي متابع منصف أن يتجاهل هذا الحراك الثقافي والتحول الكبير الذي يمضي في تحقيق ما كان يعتبر حلماً إلى واقع ملموس يدركه كل متابع.
هذا التغير والتحول الماضي بثقة وطموح واضعاً الثقافة والفن نصب اهتمامه وفي قلب أولوياته، ينطلق من رؤية متبصّرة أنّ الفن يمتلك القدرة عبر الصدمة والتطهير على جعل النفس الإنسانية منفتحة على الخير فهو القادر على أن يمنح الغذاء والزاد المعرفي لأفراد المجتمع بدءاً من التسلية والترفيه البريء وصولاً إلى ترسيخ القيم الإنسانية الجميلة وتغيير السلوك وتهذيبه.
اليوم نعيش حالة ثقافية لافتة تتمثل في التعاطي مع الفن الخلاق “السينما” كحالة ثقافية راقية، فالفيلم السينمائي يعد أحد أهم الروافد المعرفية والمشتركات الإنسانية التي توحّد الشعوب، عبر تجاوز حاجز اللغة، إذ تظل الأفكار والمنظومة السلوكية والقيمية هي إحدى الركائز التي يمكن عبرها تمرير رسائل إيجابية تبث الخير والسلام والحوار وتقبل الآخر.
ويبقى الفيلم وشاشة العرض السينمائي عنوان المرحلة الثقافية الحالية باعتباره وسيلة الاتصال الناجعة بيننا كشعوب، إذ يمثل قوة قادرة على توحيد الناس، ونشر روح المشاركة، فالفن أولاً وأخيراً لغة سامية تساعد الناس على تحقيق الاتصال فيما بينهم، وتفصح عن معلومات بشأن ذواتهم، كما تساعدهم على استيعاب أو تمثُّل تجارب الآخرين.