استخدام الله
الله في السماء واحد، وعلى الأرض في اليمن هناك أكثر من إله وأكثر من وكيل بشري يعتقد أن مهمته الأساسية في الحياة إرشاد الناس إلى رب السماء.
وها هو البلد الآن يخوض صراعا دينيا مريرا بين وكلاء الله الذين أحالوا حياتنا إلى عصف مأكول.
المقاتلون في جبهات الحوثيين يبحثون عن وجه الله، والمقاتلون في جبهات المقاومة يبحثون عن وجه الله، وفي سبيل الحفاظ على الإسلام دارت حرب شرسة ولا سلم منها راس ولا بيت ولا مدينة.
وفي اليمن تحديدا الإسلام نافذ، والمساجد في بلادنا أكثر من المدارس وأكثر من حدائق الأطفال وأكثر من المستشفيات وأكثر من أي شيء آخر، ومع هذا تسمع من يزايد على عقيدة الناس ويصيح: ضيعتوا الإسلام؟!
وما فيش بيت في اليمن إلا ويوجد فيه المصحف الشريف، ومافيش دكان أو مصنع أو مؤسسة أو فندق أو مطعم أو مرفق حكومي إلا وتوجد فيه سجادة للصلاة وعجوز يحمل في يده “سُبحة”، وفي الدخول والخروج وفي كل المعاملات اليومية والصلاة على النبي في كل لسان، ومع هذا تسمع من يصرخ: ضيعتوا دين الله، وارجعوا للإسلام.
ولا تمر من شارع في اليمن إلا وتجد عرض الجدران عبارات تحثُّ المارة على ذكر الله والصلاة على النبي..
ولا تجد لدى سائقي المركبات في اليمن كرت الرقم أو رخصة القيادة، لكنك- بالتأكيد- ستجد داخل كل حافلة.. داخل كل سيارة، كل “دباب” دعاء السفر، ومع هذا تسمع مُتفيقهاً يصرخ: نريد حكم الإسلام!
وفي اليمن عموما لا تسمع أجراس الكنائس، ولا تجد صور اليسوع المتخيلة أو صورة مريم العذراء تبُاع في محلات الهدايا، ولا صليب ولا شمعدان ولا قساوسة ولا رهبان ولاباباوات ولا توراة ولا إنجيل، وحتى الأقلية اليهودية اللي كانوا موجودين تم التنكيل بهم.. والكنائس التي بنتها بريطانيا في عدن زمان تم تعطيل الصلوات فيها وتحولت إلى خرابة، ومع هذا تسمعهم يصرخون: لابد من إعادة اليمن إلى أحضان الإسلام!
على أن استخدام الله في بلادنا بصراحة أمر يثير الدهشة ويعلِّم الاحتيال.
سائق الدبّاب كاتب عرض الزجاج (الله معك يا أبو ماهر) وكل شوية وأبو ماهر بسلامة روحه يقف في الخط معرقلاً حركة السير ولاهو مؤسف بشي.
قاضٍ محتال يوقع على وثيقة حكم تُدين مواطنا بريئا، ويكتب أسفل ورقة التنفيذ (والله ولي الهداية والثبات) ويعود إلى بيته محملا بجرار العسل والمواطن البريء يذوق المرارات.
ومقاول نصّاب يقدّم ورقة لطلب بقية مستحقاته ويختتم رسالته بعبارة (والله الموفق) ومافيش أسبوعين إلا والطريق اللي قاولها قد تخربت وامتلأت بالحفر.
وزير لطّاش ينهب صندوق وزارته ويذيق موظفيه الويل ولما تسأل أين راح الوزير؟ يقولوا لك راح يحج. ومدير عام فاشل ويقف ضد كل شخص ناجح في المرفق الذي يديره ويوقّع كل مراسلاته بعبارة (والله ولي التوفيق والنجاح).
جار مؤذ وكل يومين وهو في مشاكل مع الجيران وفي رمضان يمسك الحبة التمر في يده ويهرول الجامع يفطر، أسألكم بالله هذا مايفطرش القلب.
مدير للبحث الجنائي يبتز المواطنين جهرة ويضرب المتهمين كما لو أنهم بغال لديه، وعلى بزته الرسمية قلادة في الصدر مكتوب داخلها (إلا رسول الله) ومحد فكر يقوله في يوم “إلا أذية الناس”. وضابط شرطة نسي لأسابيع مواطناً في السجن وكتب عرض زجاج سيارته (اذكر الله يا غافل) ومحد قله يذكر أن في الزنزانة مواطنا أهله وأبناؤه قلقون عليه. وشيخ مُبندق ونهّاب يعامل رعيته كأغنام مُسخرة لخدمته، يفتتح يومه كل صباح بدعاء (رضاك يا الله). ورجل دين نصّاب ومتواطئ مع القتلة واللصوص، يهتف في المسجد (اتقوا الله).