الإسلام الوسطي في عهد الملك سلمان

محمد آل الشيخ


خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان هو من أكثر السعوديين معرفة بالاخونج الذين يضعون من ديننا الشريف وسيلة لتحقيق غاية هي الوصول إلى الحكم، حتى ولو أدى ذلك إلى قلب الأوضاع الأمنية والاستقرار في المملكة رأسها على عقبها. لذلك ما إن تولى – حفظه الله – الحكم في المملكة، كانت من أوائل قرارات عهده الميمون كبح جماح حركييهم بقوة وحزم وإصرار لا يعرف التردد ؛ فقد كان هو أكثر من احتك بهم، وعرفهم وتعامل مع أساطينهم عن قرب لمدة طويلة من الزمن، إبان حكمه لقلب المملكة النابض منطقة الرياض التي تحتضن العاصمة، وعرف يقينا أنهم (قلة) ولكنهم الأعلى صوتا لأنهم منظمون، أو بلغة أدق: يتلقون التعليمات من الخارج، حتى لو كان ذلك على حساب استقلال وسيادة الوطن، وهذا التعاضد بينهم، خاصة في المجال الإعلامي، لكي يتوهم الناس بأنهم كثرة ومنتشرون بين أوساط السعوديين في المملكة، بينما أن الحقيقة تقول: إن أغلبية الشعب السعودي الساحقة (وسطيون) مسلمون، ولكنهم الأقل ضجيجا وصخبا؛ وهذا ما ثبت بالفعل على أرض الواقع، فقد تلقى السعوديون قرارات الدولة بالانفتاح والتحديث ومواكبة العالم بقبول واطمئنان وترحيب، حينما أقبلوا وبأعداد غفيرة، على حضور الفعاليات المختلفة المقرة من قبل هيئة الترفيه، والتفاعل معها، قل أن تجدها بهذا الكم الكبير والملفت للنظر في تاريخنا الحديث، الأمر الذي يُثبت، وبما لا يدع مجالا للشك، صدق العبارة التي كنا ومازلنا نُرددها دائما، إبان سطوة ونفوذ المتأسلمين، والتي تقول: هم الأعلى صوتا لكنهم الأقل عددا. فالإنسان بطبعه، وبجبلته، يكره التقوقع والإنغلاق، ومن ذلك الانغلاق (الغلو) والتنطع في المتطلبات الدينية، التي حذر منها وفي روايات متعددة عليه الصلاة والسلام كما تقول سيرته المطهرة. غير أن هناك دائما، وفي كل مكان وزمان، بل وفي كل الأديان، ولأسباب في الغالب نفسية، أو أنها عن محدودية وضيق نظر، مَن يَجد في الغلو والتطرف والتحوط غير المبرر، ما لا يجده في التسامح والانفتاح والرفق والتعامل في قضاياه الحياتية، وينأى بنفسه، أو أنه يتجاهل القول الماثور: (عش لدنياك كأنك تعيش أبدا، واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)؛ أي أن المطلوب من المسلم السوي الموازنة بين متطلبات الدين ومتطلبات الحياة، وإعمار الدنيا بكل ما من شأنه بناء الأمن والرفاه والراحة والاطمئنان والاستقرار، دون أن يطغى ما هو ديني على ما هو دنيوي.


وما نعيشه اليوم هو شكل دقيق لهذا التوازن، الذي حث عليه الدين الحنيف، ومارسه المسلمون الأوائل أثناء ازدهار الحضارة الإسلامية، وكانت هي العامل الأهم الذي أوصل الإسلام لكل أصقاع المعمورة.


يتساءلون، وبالذات المراقبون في الغرب والشرق: لماذا لاذ دعاة التشدد والانغلاق بالصمت المطبق، ولم نعد نسمع لهم صوتا؟ .. السبب الأول والأهم في رأيي أن الغلو والتطرف ليس الأصل في الإسلام الحنيف الذي نزل على محمد، وإنما العكس هو الصحيح، بينما أن الغلاة من المتشددين، ومعهم المتأسلمين المسيسين، هم من شوهوا الإسلام، وأظهروه بصورة تختلف عن حقيقته المتسامحة السوية، التي تدعو إلى الحوار بالتي هي أحسن، وليس بالتي هي أعنف، كما يفعل اليوم الغلاة من دعاة الإسلام السياسي.


بقي أن أقول: إن هذه الفترة السلمانية المباركة هي تحول حقيقي في كثير من المجالات في بلادنا نحو العودة بحزم لا يعرف التردد إلى الإسلام الوسطي في كل مناشط الحياة. وليس لدي أدنى شك أن هذا التحول (المبهر) سيتحدث عنه التاريخ كثيرا.


إلى اللقاء


 

Exit mobile version