من عمران إلى الحديدة… شرعية ومليشيات البيع والشراء

 


ما يحدث في الحديدة هو ذات ما حدث في عمران عام 2014م حين ذهب عبد ربه منصور هادي، وهو رئيس الجمهورية، إلى مقر المحافظة التي سقطت بيد مليشيات الحوثي ليقول أمام العالم كله إن (عمران عادت إلى حضن الدولة والجمهورية)، مشرعناً بذلك الجريمة التي ارتكبتها المليشيات بقتل القشيبي وإسقاط عمران، والاستيلاء على مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والمدنية.


 


في الحديدة اليوم يحدث ذلك وإن بطريقة أخرى، وإذا كان هادي ذهب يومها إلى عمران راكباً سياراته الرئاسية الفارهة، فقد ذهب ممثلوه من الفنادق إلى السويد ليمهروا على اتفاق سيء كل هدفه هو ألا تتحرر الحديدة من مليشيات الحوثية بعد أن كانت عملية التحرير قاب قوسين أو أدنى.


 


دعونا نكون واضحين أكثر فهادي وشرعيته ذهبوا إلى السويد وهم يدركون أن مخابرات بريطانيا دخلت على الخط وبدأت تدفع باتجاهات إعادة لندن إلى مشهد الصراع على النفوذ في المنطقة، ولم تكن الحديدة سوى محطة تريد بريطانيا أن تستعيد من خلالها نفوذها الضائع، كما فعلت روسيا في سوريا، وكما فعلت فرنسا في ليبيا، وكما تفعل أمريكا في المنطقة بأسرها.. ولذلك نفذوا المخطط ووافقوا على مسودة اتفاق بدون أي تفسيرات سوى تفسيرات كاذبة حاولوا أن يوهموا بها الناس دون مصداقية.


 


هادي كان كل همه ألا تنتصر قوات المقاومة المشتركة التي تضم ألوية العمالقة والمقاومة التهامية وحراس الجمهورية، فكل هؤلاء المقاتلين الذين يضحون بأرواحهم ويقدمونها رخيصة من أجل دحر مليشيات الحوثي في نظر هادي وعلي محسن ليسوا أتباعاً، كما هو حال أفراد الجيش الوطني الوهمي الموجود فقط في سجلات كشوف المرتبات.. ولذلك فليس من الأهمية أن ينتصروا على مليشيات الحوثية التي لا نزال نحتاج إليها –كما يفكر هادي ومحسن ومن ورائهما الإخوان في استثمار المزيد من الأموال التي تغدق بها دول التحالف، لا سيما السعودية، دون حسيب أو رقيب.


 


ولذلك رأينا كيف غير هادي بشكل كبير في وفد التفاوض، وكيف وافق ذلك الوفد على مسودة اتفاق لا يفهم كيف يفسره، وبالأصح كيف وقع على اتفاق يسلم الحديدة من الحوثيين إلى بريطانيا عبر بوابة ما يسمى الرقابة الأممية، ولأن الحوثي يملك من الوقاحة ما يملكه هادي فقد اتفق الطرفان على أن يقبلا بمسرحية هدفها تسليم الموانئ الثلاثة في الحديدة للأمم المتحدة ومن خلفها لبريطانيا التي رأينا سفيرها يخرج عن لباقته الدبلوماسية ويتكلم عن اليمنيين الرافضين لمسرحية المليشيات الحوثية بشكل غير مسبوق ويصفهم بالمتهكمين، وكأنه مفسبك من مفسبكي الإخوان وليس سفيراً لبريطانيا التي كانت عظمى ذات يوم.


 


ما نراه اليوم في الحديدة هو ما شاهدناه في عمران مع اختلاف الأسلوب والطريقة وعملية التنفيذ والهدف الحقيقي هو شرعنة استمرار المليشيات الحوثية في الحديدة من جهة وشرعنة وصاية بريطانيا على أهم موانىء البلاد وإيجاد موطىء قدم لها في مسار استعادة نفوذها من بوابة البحر الأحمر في مشهد يعيد إلى الأذهان الاحتلال البريطاني لميناء الحديدة مطلع عشرينيات القرن الماضي، وهو الأمر الذي يفسر كيف تفكر وتعمل شرعية هادي التي كانت ولا تزال تقطع أوصال اليمن بالجملة والتجزئة تحت مسمى البحث عن يمن اتحادي سيفاجىء الجميع في نهاية مسرحية هادي وشرعيته أنه لم يعد هناك يمن ولا اتحاد وإنما مجرد دويلات متناحرة أسس لها فريق هادي منذ العام 2011م بطريقته الشهيرة في التفكيك وإعادة الهيكلة.


 


والحقيقة التي لا يجب أن تذهب عن الأذهان أن مليشيات الحوثي مستعدة أن تسلم الحديدة أو غيرها للشيطان طالما أن ذلك سيكون من أجل بقائها في صنعاء، وطالما كان التسليم في اطار مشروع شرعنة الاعتراف بها كجزء من المستقبل الذي يرفضه الناس وسيظلون يقاومونه، ولذلك فهي مستعدة أن تبيع كما يفعل هادي البلاد قطعة قطعة مقابل شيء اسمه الاعتراف الخارجي، كما هو حاصل اليوم مع حكومة هادي وشرعيته التي لا تملك شيئاً سوى الاعتراف الدولي.


 


 


 


 

Exit mobile version