مقالات

الشمال وتكفير الجنوب

 


الأزمة عميقة في الشمال هناك مجتمع لا يرى الدنيا إلا بعيون رجال الدين بعيون الأحبار والرهبان.


 


ليست أزمة سلطة ولا هي في هوية الحكم الإدارية بمعنى هل يكون نظام الحكم أسرياً متوارثاً أم غير ذلك.. ولا من أي طبقة يكون الحاكم. الإشكال في هوية الحكم الدينية..


 


لا يقبل المجتمع في الشمال حكماً لا يكون لرجال الدين فيه السلطة الحقيقية على الحياة وعلاقات الدولة مع ما حولها من الدول..


رفض المجتمع في الشمال الجيش المصري لأن وجود المصريين هدد طبيعة الحكم وهويته الدينية وكاد أن ينجح في فرض حكم قابل للاندماج مع محيطة ومع مسار شعوب العالم على الأقل الشعوب العربية ومنها الشعب المصري.


 


رغم أن رجال الدين في مصر ورجال الإفتاء ليسوا بعيدين من السلطة السياسية لكنهم لايحكمونها لا من خلف ستار ولا يحكمون بشكل مباشر كما هو حال نظام الإمام في صنعاء الذي تعرض له الجيش المصري..


 


واليوم الشمال بقسميه السياسي الديني شيعي حوثي وإخواني سني يرفض من حيث المبدأ طريقة وهوية نظام الحكم في الإمارات وحتى في السعودية ودول الخليج الأقرب للمجتمع اليمني..


 


يعتبرون فكرة حاكم لا ينتمي لطبقة رجال الدين أو حاكم لا وصاية لرجل الدين عليه فكرة علمانية تغريبية.. فالحكم لله والله تقول كل طائفة إنه اختارها للحكم لأسباب اصطفائية إما سلالية وإما دينية دعوية علمائية..


 


وموقف الشمال الموحد من جنوب ما قبل الاستقلال وجنوب ما بعد الاستقلال وجنوب ما بعد الوحدة وقبلها ينطلق من هذا الجذر الديني السياسي، فوجود جنوب ينفر من حكم الطبقة الدينية المباشر وغير المباشر يشكل تهديداً على حكم الأحبار والرهبان في صنعاء وقد يقدم نموذجا مختلفا لحياة مختلفة تغري رعايا الأحبار والرهبان فينقلبون على الحكم الإلهي المقدس المتعمق في جذور تاريخ الشمال والمتواصل دون انقطاع..


 


كثير من الناس منذهلون من قدرة رجل دين كعبد الملك الحوثي على تحشيد الشعب في الشمال لحروبه المقدسة.


 


فعلها قبله رموز الإخوان وحشدوا الشعب والرعايا لحروب مقدسة إلهية أمر الله بها وسيعطي جزاءً عليها الجنة..


 


كان التحشيد وما زال يتخطى حدود الشمال والجنوب للعالم وأفغانستان مثال في عهد الثمانينات..


 


هؤلاء الذين يستجيبون لنداءات رجال الدين للحروب هم وقود سلطتهم وهم لا يستجيبون بالإكراه ولا من أجل المال، كما يظن البعض، وإنما يدفعهم للاستجابة خطاب الدين السياسي المستوطن في اعماقهم جيلاً بعد جيل..


 


هذه المشكلة ستظل هي أساس استعصاء إنساني للمجتمع في الشمال استعصاء على الاندماج في محيط هو أصلاً قريب في عاداته وموروثه السياسي والديني والقبلي والإنساني..


 


لن يقبل هذا المجتمع حكماً يشابه مثلاً هوية الحكم في عمان التي لا تمنح رجال الدين سلطة سياسية داخل عمان وتحترمهم في مساجدهم فقط أما الجيش والسياسة والأمن والعلاقات الخارجية والإعلام والحياه العامة فليست لهم عليها سلطة.


 


لن يقبل حتى بسلطة هاشمية سلالية كالتي توجد في الأردن والمغرب فهاشمية الدولة والسلطة في القطرين العربيين لا تمنح رجال الدين أي سلطات سياسية أو عسكرية أو أمنية وليس لهم وصاية على الحياة العامة..


 


إبان التدخل المصري وقف رجال الدين من الطرفين الملكي والجمهوري الإسلامي صفاً واحداً أمام خطر إعادة صياغة هوية الحكم في صنعاء.


 


ووقفوا صفاً واحداً أيضاً أمام محاولات الحمدي لاختراق نظام السلطة وتهميش سلطة العلماء المرتبطين بروابط مصلحية وقبلية وإقليمية..


 


ثم كانوا جدار صد منيعاً ضد نقل الهوية السياسية للحكم في الجنوب وتطبيقه في صنعاء واعتبروا ذلك النموذج علمانية وشيوعية وكفراً وردة.


 


ومن قبلها وحتى اليوم يعتبرون مشروع اتحاد الأسر القبلية الحاكمة في مناطق الجنوب أثناء عهد الاستعمار في دولة لا يحكمها رجل دين يعتبرون تلك الهوية هوية استعمارية عميلة الانجليز وشيطنوها وما زالوا..


 


والخلاصة أن أي سلطة شمالاً لا يكون رجل الدين فيها حاكما بشكل مباشر أو وصياً على الحاكم من خلف ستار الخطاب الديني هي سلطة كافرة أو علمانية أو استعمارية وسواءً جاءت من فرد من الشمال أو دعتمها دولة إقليمية أو عالمية او جاءت من الجنوب..


 


بل لايجب أن يفلت الجنوب من حكم أحبار ورهبان صنعاء وإن هو فعل فهو كافر مرتد ديوث يرضى بالاحتلال.


 


 

زر الذهاب إلى الأعلى