أي شهادة أكبر من شهادة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح منذ 1990 إلى عام 2008 وهو العام الذي توفي فيه؟ لقد أكد أن حزبه يعتبر امتداداً لحركة الإخوان المسلمين.. سجل الشيخ هذه الشهادة بوضوح ووثقها في كتاب مذكراته (مذكرات الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر- قضايا ومواقف) الذي صدر بطبعته الأولى عام 2007- عن دار الآفاق للطباعة والنشر في صنعاء. وسنقتبس من مذكرات رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح بعض العبارات كما وردت في الكتاب (من صفحة 231 إلى صفحة 252).
لكن قبل عرض الاقتباسات من مذكرات رئيس الهيئة العليا للتجمع اليمني للإصلاح، نود تسجيل الملاحظة التالية، وهي أن المطلع على تفاصيل النزاع المسلح الذي شاهدته بعض المناطق الوسطى لشمال اليمن منذ العام 1967، ثم اشتدت ضراوته في الفترة التي أعقبت اغتيال الرئيس إبراهيم الحمدي منتصف شهر أكتوبر عام 1977 يعرف أن أطراف ذلك النزاع كانت هوياتها السياسية والفكرية واضحة. وقد مر بنا كلام قيادات إصلاحية عن بعض الدوافع التي جعلت المخلافي ورفاقه يشكلون حركة إخوان مسلمين في اليمن.
لقد كان الطرفان المباشران في ذلك النزاع المسلح هما:
الجبهة الإسلامية من جهة، والجبهة الوطنية الديمقراطية من جهة أخرى.. الجبهة الإسلامية تكونت من جماعة الإخوان المسلمين ومشايخ متبوعين برجال قبائل مسلحين، وتكفل نظام صنعاء بتسليحهم وتمويلهم. كان من بين أبرز قيادات جماعة الإخوان الميدانيين عبد الرحمن العماد الذي أصبح ممثل جماعة الإخوان في اليمن في المجلس العام للجماعة الأم، والملازم محمد قحطان القيادي المعروف في حزب الإصلاح حالياً، فك الله أسره. وكان أبرز المشايخ في هذه الجبهة الشيخ صادق بن عبد الله الأحمر..
وكان الطرف الثاني في ذلك النزاع المسلح هو الجبهة الوطنية الديمقراطية، التي ضمت جماعات يسارية شمالية معارضة للنظام حظيت بدعم النظام الاشتراكي في عدن، وقد توقف ذلك النزاع حوالي العام 1983 بعد أن أسس الرئيس علي عبد الله صالح حزب المؤتمر الشعبي في أغسطس 1982، والذي كان عبارة عن تحالف حزبي أو مظلة للأحزاب حسب التعبير السياسي الشايع، صارت جماعة الإخوان المسلمين جزءاً من هذا التحالف السياسي الجديد الذي أصبح بمثابة الحزب الحاكم في صنعاء، مقابل الحزب الاشتراكي الحاكم في عدن، ودخلت في هذا التحالف بصفتها الرسمية، أي جماعة الإخوان المسلمين، وكان لخصمهم -الجبهة الوطنية الديمقراطية- تمثيل أيضاً في ذلك التحالف الحاكم، لكن بقدر أقل.
ثم إنه حين وجدت جماعة الإخوان المسلمين أن صحيفة الميثاق الناطقة باسم المؤتمر الشعبي العام لا تعكس وجهة الجماعة، بالإضافة إلى أن الرئيس علي عبد الله صالح قبل أن يكون لليساريين صحيفة خاصة بهم وهي صحيفة الأمل التي ترأس هيئة تحريرها سعيد الجناحي، وهو أحد قرابة الرئيس الجنوبي عبد الفتاح إسماعيل، طلبت من الرئيس مساواتها بالآخرين، وفي نهاية عام 1984 سمح لها بإصدار صحيفة تعبر عن آرائها ومواقفها، وكانت تلك هي صحيفة الصحوة المعروفة إلى اليوم. منذ أن أصدر محمد عبد الله اليدومي في العدد الأول من الصحيفة في صنعاء يوم 11 أبريل عام 1985، عرفت بصحيفة جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، وذلك من خلال لسان الحال والمقال، واستمرت الجماعة كما هي دون تغيير إلى ما بعد إعلان الوحدة اليمنية بعدة أشهر. حيث أعلن التجمع اليمني للإصلاح عن نفسه في صنعاء يوم 13 سبتمبر 1990 بهذا المسمى، وقد عرفوه في وثيقته الأساسية (النظام الأساسي) بأنه: حركة تُشكل الوعاء التنظيمي لتيار الصحوة الإسلامية المتنامي! وإنه يمثل امتداداً حياً لحركة التجديد والإصلاح الناهضة في تاريخنا الحديث… وهذه العبارة الأخيرة إشارة واضحة لجماعة الإخوان المسلمين الأم، وإلى اليمنيين السابقين الذين ارتبطوا بها، وكانوا جزءاً من ما يسمى حركة الأحرار، أما العبارة التي سبقتها فواضحة الدلالة، فحزب الإصلاح وعاء تنظيمي للصحوة الإسلامية، ممثلة في جماعة الإخوان المسلمين. وقد أثبتت التجربة التي تلت تأسيسه أنه امتداد لجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، على الرغم من المسمى الجديد الذي اختاروه له.
بعد هذا التوضيح ندع الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر يدلي بشهادته. يقول: قبل إعلان الوحدة اليمنية بأشهر زار الرئيس علي سالم البيض وعدد من قيادات الحزب الاشتراكي صنعاء، وأقام لهم الرئيس علي عبد الله صالح مأدبة غداء في قرية رصابة بذمار، وكنت ضمن المدعوين، وكان علي سالم البيض يعتقد أني مجرد حليف للاتجاه الإسلامي المتمثل بالإخوان المسلمين ليس إلا، ولما قيل له إن الحزب الاشتراكي لا بد أن يغير موقفه من بعض القوى السياسية بعد الوحدة، قال سوف نفتح حواراً مع كل القوى السياسية ما عدا القوى الظلامية. ولما سئل البيض من تقصد بالقوى الظلامية؟ قال: الإخوان المسلمون. وكانت القوى التي انخرطت في ما بعد بالتجمع اليمني للإصلاح لا تزال داخل المؤتمر الشعبي العام، لكنها ذات طابع متميز ولها مواقف متميزة تحت اسم الإخوان المسلمون أو الاتجاه الإسلامي… وعارضنا دستور دولة الوحدة، وكان الأستاذ عبد المجيد الزنداني هو فارس الميدان.
وعن تأسيس التجمع اليمني للإصلاح في العام 1990، قال الشيخ الأحمر: طلب منا الرئيس علي عبد الله صالح، ومن مجموعة الاتجاه الإسلامي بالذات، وأنا معهم، أن نكون حزباً سياسياً يكون رديفاً للمؤتمر الشعبي العام، وكنا ما زلنا في المؤتمر، وقال كونوا حزباً رديفاً للمؤتمر ونحن وإياكم لن نفترق وسنكون كتلة واحدة وسندعمكم… وعلى هذا الأساس أنشأنا التجمع اليمني للإصلاح في حين كان هناك فعلاً تنظيم وهو الإخوان المسلمون الذي جعلناه كنواة داخلية في التجمع، لديه التنظيم الدقيق والنظرة السياسية والأيديولوجية والتربية الفكرية.. هكذا تحدث الشيخ.