الحوثي.. شبح متخفٍّ في خرابة مأهولة!

 


▪نحن الآن في السنة الخامسة من الحرب. المعادلة العسكرية الحالية هي أن هناك طرفين:


1) طرف/ شبح يطلق صواريخ، وطائرات مسيرة مشحونة بالمتفجرات، من داخل خرابة كبيرة مظلمة مأهولة بالبشر والأشباح.


 


2) وطرف يمتلك سلاح وعتاد أقوى وأحدث، لكنه يقطن عمارة زجاجية متوهجة بالأضواء، طويلة عريضة، وكل ما فيها فاخر وثمين.


 


وبالتالي، بإمكان الطرف/ الشبح الأول، من موقعه داخل الخرابة، أن يهدد وأن يوجع الطرف الثاني صاحب العمارة الفخمة في الصميم، ببساطة، وبأقل كلفة، وبأي سلاح يمكنه أن يخترق به خطوط الحماية.


 


وعندما يأتي صاحب العمارة الفخمة لكي يرد على الضربة، فإنه لا يجد ما يصيبه، بسلاحه الفتاك، سوى اللحم البشري البريء داخل الخرابة، أو بالأصح داخل المسكن الذي تحول، بحماقة هذا الطرف المُتبختر وغياب بصيرته، إلى خرابة خطرة تتناسب أمنياً مع احتياجات الطرف الأول الذي يطلق صواريخه ومتفجراته صوب العمارة الفخمة!


 


الأمر هنا لا علاقة له البتَّة بنوع السلاح ودقته أو مدى تفوقه تقنياً، بل بحالة عدم التماثل الحاد في الظروف بين مكانين: أحدهما لم تبق فيه الحرب الجوية ما يصلح أن يكون هدفاً عسكرياً حقيقياً يخدم غرضها، فيما على الجانب الآخر هناك مكان فسيح، مزدهر، وعامر بالمنشآت والمصالح الضخمة والمواقع التي تغري باستهدافها، أيّاً يكن حجم هذا الاستهداف، إلّا أنه بمجرد حدوثه يمسّ عصباً حساساً، وسرعان ما ينطوي الحادث على أبعاد اقتصادية وسياسية عالمية.


 


▪هذا يعني، من جملة ما يعنيه، أن الحوثي، حتى إشعار آخر، ليس سوى عجينة قاتمة من الأشباح، تتشكل أو تفنى وفقاً للظروف والاحتمالات!


وطالما لم تصغ الحركة الحوثية أفكارها في نظام سياسي يعكس هويتها الإمامية الحَقَّة، نظام له مرتكزاته المادية ومعالمه ومرجعياته المنسجمة مع أيديولوجية وثقافة الجماعة، فالحديث عن الإطاحة بها يعوزه الحد الأدنى من المعقولية. إذ كيف يمكن بحرب تقليدية الإطاحة بشيء غير تقليدي لم يغادر ميوعة المادة في وضعها السابق للتبلور وامتلاك الصفات والكيان المنتظم.


 


مع أنه من المتفق عليه أن الثورة الإيرانية والنظام السياسي الغريب الذي نتج عنها زودت الحركة الإمامية الزيدية في اليمن بالإلهام لغزو فكرة “الجمهورية” من داخلها بعد زوال التحسس من المصطلح، وانفتاح الشهية لتكييفه بحيث يسمح بدمج الإمامة فيه.


 


وإذا أمكن لنا اعتبار فكرة “ولاية الفقيه”، التي قام الخميني بالتنظير لها وتطبيقها للالتفاف على مقولة الإمام الغائب، تطوراً ثورياً داخل المذهب الإثنى عشري وهو ما أضفى عليه لمسة “زيدية” من نوع ما، إذا جاز الوصف، ذلك أن النظرية السياسية للزيدية الهادوية تنص على استمرارية الإمامة دون انقطاع في آل البيت من ذرية الحسن والحسين، فإن الطموح راود الحركة الإمامية الزيدية في اليمن لاكتساب لمسة خمينية، وخصوصاً نموذجه الجمهوري المبني في شكل من المزاوجة بين تقاليد ثيوقراطية كهنوتية وتقاليد جمهورية ودستورية حديثة.


 


إلا أن اللمسة الخمينية على الحركة الإمامية الزيدية اصطدمت في اليمن، عملياً، بسياق جيوسياسي إقليمي، وواقع اجتماعي محلي، ليسا كلاهما على الطراز الخميني. وها هي اللمسة الخمينية محصورة في زاوية ضيقة، على موعد مع لحظة قد تأتي يوماً فتقتلع اللمسة والملموس!


 


 


 

Exit mobile version