على هامش المسرح

 


يطيب لمارتن غريفيث أن يُميل خصلات شعره الأبيض على جانبي رأسه، هذا البريطاني العجوز ذو الملامح الهوليودية، يعجبه أن يكتب تقاريره إلى مجلس الأمن بالطريقة ذاتها التي يميل بها الشعر على جانبي رأس يحوي غير قليل من الغطرسة والغرور.


قبل أيام قال غريفيث لمجلس الأمن الدولي إن الحوثيين انسحبوا من الحديدة، في مسرحية لم نكن نشاهدها قبل أن نعيش عصر الممثل الرديء عبدالملك بدر الدين الحوثي.


طيب الذكر الجنرال باتريك كاميرت، قال-بوضوح عقب النسخة الأولى من مسرحية انسحاب الحوثيين من الحديدة-إنهم لم ينسحبوا. مكتب الأمين العام حينها، سخر من المسرحية، وقال إن أية خطوة من هذا القبيل لا بد لها من مصادقة الأطراف الثلاثة: الحكومة اليمنية والمليشيات والأمم المتحدة.


يبدو أن العمل المسرحي-حينها-طبخ على طريقة بعض المسلسلات الرمضانية المستعجلة، ولذا انكشفت مسرحية المؤيد والكحلاني حينها، ولم يحقق العمل المسرحي الرواج المطلوب. الناقد العالمي الكبير كاميرت لم يُجز العمل فسقط في جوائز المهرجان. غير أن مخرج العمل لم يغفرها لكاميرت حينها.


غضب الرجل الذي يتدلى شعره على جانبي رأسه، واستدعى كاميرت وفرض عليه الاستقالة، لأن الجنرال لم يرد أن يكون جزءاً من عمل مسرحي رديء، لا يقدر على القيام به إلا عبدالملك الحوثي ومشاطه، والمخرج المتكلس مارتن غريفيث.


المهم، أقيل كاميرت، في صيغة استقالة.


جاء المخرج الأشيب الشعر بممثل آخر يلعب دور البطولة في المسرحية التي فشلت في نسختها الأولى، وتم تعيين مايكل لوليسغارد، الرجل الذي سيكتب تاريخه أنه كان يغير تقاريره، ويمحو حسب أهواء رجل يميل شعره على جانبي رأسه المتعجرف.


تذكرون أن وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية مارك لوكوك ندد بعرقلة الحوثيين الوصول إلى مخازن الغذاء، في مطاحن البحر الأحمر، فغضب الحوثي، وفي اليوم الثاني صدر تقرير آخر مشترك مع الرجل الأبيض الشعر، بعد أن تم حذف إدانة الحوثيين، ليتضح بعد ذلك أن “الحذف” كان شرطاً لاستقبال المخرج غريفيث في صنعاء، بعد يومين من الإدانة التي استمرت ليوم واحد فقط.


في الأعمال المسرحية توكل بعض الأدوار الثانوية لممثلين مغمورين، لكنهم يجيدون تقديمها، الأمر الذي يفاجئ المخرج، ويكشف حجم الموهبة، هذا الدور في هذا المسرح العبثي، أوكل لفنانة كانت تبدو ردئية، لكنها أعجبت المخرج ذا الشعر الأشهب المائل على جانبي رأسه المتعجرف. هل سمعتم عن نجمة التقارير المنقحة، ليزا غراندي، سيدة تعشق المليشيات من الضاحية الجنوبية في بيروت، إلى الضاحية الشمالية في صنعاء.


ليزا تلك لها قصة طويلة ربما تتاح الفرصة لسردها، لكن دعونا نعرض عن ذلك لنقول إنها لم تخيب نظرة محمد عبدالسلام في طريقة تفكيرها، ولا طريقة الأداء، رغم أنها تعد ممثلة من الدرجة العاشرة، حسبما يترآى لمشاهديها.


ظلت ليزا تتستر على ألغام الحوثيين التي حالت دون الوصول إلى مواد غذائية تكفي لعشرة ملايين جائع في اليمن، بعد أن ظلوا يمنعون إخراجها إلى أن فسدت بفعل الرطوبة وطول المدة.


دعونا من ليزا، ولنتأمل الجهة اليمنى من خشبة المسرح، حيث يبدو ممثل باهت الملامح، يؤدي دوره في كلمات محدودة، ثم يترك للجمهور مهمة تقييم الدور، نقترب أكثر من وجه الممثل الذي يقبع في بقعة غير مضيئة من مسرح تويتر، لنرى الوجه الكالح لمايكل أرون، وهو يدلي بشهادة زور أن عبدالملك سحب مليشياته من الحديدة.


لا يُعَد أرون من طبقة كبار الممثلين، ولذا يحرص على القيام بإعلانات مدفوعة الثمن للترويج لفنه الذي لم يرقَ، ولو إلى مستوى ممثلة من الدرجة العاشرة مثل ليزا غراندي.


ومع كل هذا الزيف على الخشبة، ومع المساحيق على وجه ليزا والأصباغ البيضاء على شعر غريفيث، ومع ملامح أرون الجامدة، ما كانت تلك المسرحية لتجوز لولا أن السوق الفنية أصبحت تتوخى الربح السريع، بغض النظر عن جودة المنتج الفني.


المهم، مع نهاية المسرحية كان طفل رضيع يصرخ من الجوع، وقد أكلت ملامحه الكوليرا. تعرفون أن الرضع في الأعمال المسرحية هم الوحيدون الذين لا يمثلون، بل يبكون من دون محفزات للدمع، كتلك التي كانت ليزا غراندي تتناولها عندما تأتي إلى مشهد أطفال يتضورون جوعاً، في تهامة.


على أية حال، كان ضمن مجموعة الممثلين ممثل مغمور، خرج عن النص في تلك المسرحية الهزلية على طريقة عادل إمام في مسرحية “شاهد ما شافش حاجة”.


الممثل المغمور ظل طول فترة المسرحية يخاطب مجسماً مترهلاً للحكومة اليمنية، تكوم على خشبة المسرح، والممثل يخاطبه بعبارات عادل إمام: “إنتَ اللي غلطان، إنتَ اللي بتأخّد (تُجرِّئ) الواحد عليك، ما انت بقيت ملطشة، أي حد يدي لك على قفاك ويروح”.


أسدل الستار على نسخة رديئة من “شاهد ما شافش حاجة”، المسرحية التي فضحت الممثلين الدوليين الذين شهدوا بانسحاب الحوثيين من الحديدة، المسرحية التي كشفت رخاوة حكومة تحول وزراؤها إلى ناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.


وفي مشهد النهاية كان صوت جليل يردد “ستُكتب شهادتهم ويُسألون”، ليُختتم أسخف عمل فني في التاريخ اليمني، العمل الذي لو كان لدينا رقابة فنية، لو كان لدينا حكومة محترمة لحظرت عرضه، لأنه يسيء لذائقة اليمنيين.


ويجرح كرامتهم الوطنية.


 


 


 

Exit mobile version