مكة والحوثيون القرامطة
التاريخ يتجدد، فها هم الحوثيون بصواريخهم التي وجهوها أول من أمس (الاثنين) صوب مكة يحيون نهج جدهم أبي طاهر القرمطي، الذي استغل موسم الحج فهجم مع حوثييه القدماء على الحجيج عام 908م واقتلع الحجر الأسود، واقتلع معه رؤوس آلاف الحجاج مرتكباً مجزرة تاريخية لا يزال الناس يتذكرون مآسيها حتى اليوم. والحوثيون، قرامطة العصر، هاجموا البلد الحرام في شهر رمضان المبارك وبتقنيات العصر، ولولا يقظة قوات الدفاع الجوي السعودية التي اعترضت صواريخ القرامطة الباليستية وفجرتها لحدث أمر مهول.
وهذا الهجوم الصاروخي الذي أطلقته ميليشيات القرامطة الجدد هو المحاولة الثالثة لاستهداف مكة، وكانت المحاولة الإرهابية الأولى في 28 أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2016 بصاروخ سكود وفجرته قوات الدفاع الجوي السعودية على بعد 65 كلم من مكة.
والمحاولة الحوثية الثانية في 27 يوليو (تموز) 2017 وأيضاً في موسم الحج، كما فعل أجدادهم القرامطة، في «محاولة يائسة لإفساد موسم الحج».
لقد بلغ مجموع صواريخ القرامطة الجدد التي أطلقوها على السعودية 227 صاروخاً باليستياً، وميليشيات الحوثي الإرهابية تدرك جيداً أن صواريخها الباليستية تعترضها آخر ما تفتقت عنه تقنيات المضادات للصواريخ، وهذا فعلاً ما أثبتته الهجمات الصاروخية الماضية، فلماذا التكاليف الباهظة لهذه الصواريخ متقدمة الصنع؟ ولمَ لم توفر ميليشيات عبد الملك القرمطي الإرهابية تكلفتها واليمن بحاجة إلى كل دولار لإطعام شعبه الذي أنهكته الحرب التي تسبب بها القرامطة الجدد، وأفقرته النزاعات القبلية؟
المؤسف أن خطر الخمينية الزاحف والمهدد لكل دول الجزيرة العربية، خصوصاً الخنجر الحوثي الذي غرزته الخمينية في اليمن، والهجمات الصاروخية على المدن السعودية، لم تنتبه له بعض الدول العربية إلى الآن، ولا لأبعاده وخطورته ومآلاته المهددة للجميع، ولا تراه إلا صراعاً طائفياً عبثياً لا يعنيها كثيراً، والمؤلم أن قناة «الجزيرة» القطرية ومعها عدد من الإعلاميين القطريين أظهروا شماتة لا تخطئها العين في صياغة خبر الهجمات الصاروخية الحوثية الإرهابية الأخيرة، بل وصل بأحد صحافييهم حدَّ تحريض الميليشيات الحوثية على مزيد من هذه الهجمات الإرهابية.
هذا الموقف الكيدي الانتقامي ليس مضراً بدول التحالف التي تقاوم احتلال الخمينية لليمن فحسب؛ بل مضر كذلك بقطر نفسها، فكل دول الجزيرة العربية في مرمى هدف الخمينية ولا يستثنون.
هذا الموقف المخزي يذكر بما كان عليه بعض ملوك الطوائف قبيل سقوط الأندلس، يلهث أحدهم في مناصرة ملك قشتالة أو الاستعانة به تحت مبرر خصومته لأمير أندلسي آخر منافس له، وفي النهاية التهم الجميع، والتاريخ لا يرحم.
إن إطلاق الحوثيين، القرامطة الجدد، صاروخهم صباح الاثنين الماضي، يختصر الحالة البائسة لميليشيات الحوثيين الإرهابية في اليمن، وإصرارها على إطلاقها مع تصدي الدفاعات الجوية السعودية وتدميرها، هي محاولة بائسة يائسة لإثبات الذات لميليشيات متهالكة وعصابات منهكة.
* استاذ في جامعة الإمام بالرّياض، وعضو الجمعيّة الوطنيّة لحقوق الإنسان وعضو مجلس إدارة مركز الملك عبدالله العالمي لحوار الأديان والحضارات – فيينا