شياطين السلطة والمعارضة

 


أكره السياسة من كل قلبي ولا أطيقها وأجلس من ثلاثة أشهر أحياناً حرام ما أتابع أخبار ولا أفتح أي قناة إخبارية ولا أي موقع إخباري ولا أهتم بالشأن السياسي وأتلقى أفكاري التي أكتبها في العادة من بسطاء الناس الذين التقيهم في المقيل أو راكبين فوق الدباب أو أصادفهم في طريقي وأنا ماشي في الشارع العام.


 


أما كيف طحست إلى وحل السياسة؟ فذلك أمر كان خارجاً عن إرادتي الشخصية صراحة ولم أفكر به مطلقاً، ولا كان من ضمن خططي أو أهدافي في الحياة.. والحكاية بسيطة على أية حال.


 


كنت مجرد شاب أنهى دراسته الجامعية في مجال الإذاعة والتلفزيون ولديّ طموح كبير للعمل في المسرح، ولكنني وجدت فرصة عمل في مؤسسة الجمهورية للصحافة والنشر سنة 2001 وقلت خير وبركة ويا مُخارج الأخجف إذا ودَف!


ولم يكن لديّ حتى تلك اللحظة أي ميول للكتابة في السياسة ولديّ هموم كبيرة متعلقة بالمسرح والفنون ولكنني تعرضت باكرا لمضايقات عديدة في العمل الصحفي داخل المؤسسة الحكومية لمجرد أنني شاب موهوب ولدي طاقة خلاقة وأفكار ورؤى مختلفة عن أفكار ورؤى الطابور القديم، ولم أستقر سنتين على بعضهم في عملي الحكومي الرتيب، وكنت أتفاجأ كل شهر بأقساط غياب وخصومات تفوق حجم مرتبي الشهري البسيط، وحرمت من امتيازات كثيرة، وتعرضت للتطفيش المتعمد باعتباري، على قولتهم، كاتب معارض للسلطة وللنظام!


 


مع أني في الأساس لم أكن مهتماً بالسياسة وأعارض الفكرة الغلط أيا كان مصدرها باعتباري مواطنا يمنيا يشتي بلاده تكون أحسن بلاد، لا أقل ولا أكثر، ولكن الطابور القديم في مؤسسة الجمهورية قرروا، هكذا، أنني كاتب وصحفي معارض للسلطة وللنظام، لأجدني من بعد ذلك أكتب بالفعل لصحف المعارضة وأحظى منها بالاهتمام والتقدير المعنوي فقط، أما فلوس لا!


 


سوق صحف المعارضة، مع الأسف، كله نديف النديف، وكلهم، صغيرهم مع كبيرهم، ليل الله مع نهاره، يهاجمون الحكومة والنظام والرئيس وأنا شاب في بداية الطريق إلى المستقبل وما مع أمي غير أن أنبع من جيزهم إلى سوق النديف ما لم فإنني سأتوه وأضيع وأخسر كل أحلامي في الحياة، وحبه حبه، غرقت بكل حماس، دون أن أدري، في وحل لزج من السياسة وأصبحت وظيفتي الصحفية من بعد ذلك، مهاجمة الرئيس وشقدفة النظام وندف الحكومة.


 


وكانت تلك التصرفات والمضايقات التي عانيتها من الطابور الحكومي القديم عموما هي أكثر ما جعلني أعتقد بأن الحكومة دائما على خطأ وأن النظام الحاكم شر مُطلق وأن رئيس الدولة هو رب الشياطين الذين يقفون حجر عثرة على الدوام في طريق الشبان الحالمين.


 


لكن الأحداث التي حصلت أثناء ثورة الشبان سنة 2011 كشفت لي تماما وبكل وضوح وجه المعارضة القبيح وزيفها وكذبها وتعرضت، شخصياً، من تلك المعارضة نفسها التي كنت محسوباً عليها إلى ما هو أكثر إيلاماً مما تعرضت له من من شياطين السلطة التي عشت عشر سنين أهاجمها وأسخر من رموزها وشخوصها الاعتباريين.


 


وبمرور الأيام وصعود نخبة من المعارضين القدامى إلى السلطة الجديدة وجدت أن شياطين المعارضة القديمة أكثر معراصة من شياطين السلطة، على أن السياسيين بشكل عام، سواء كانوا في السلطة أم في المعارضة، كلهم في الغالب، من وجهة نظري على الأقل، جنس واحد، وجميعهم يكذبون ويتمتعون بقبح مُطلق ويفتقرون إلى الموهبة التي تجعلهم على مقربة من نبض الناس في الشارع العام.


 


 


 

Exit mobile version