كفى حربا عبثية
لم يعد في البلد متسع لصراع عن السلطة, وليس بإمكان أيا كان فرض أمر واقع يخضع ويخنع الآخرين, الشعب اليوم يشمئز ممن يدعي انه ممثله الوحيد والشرعي, الحشد والصراخ والعويل صار مهزلة, لا يقدم ولا يأخر في شي, والمليشيا والعنف مصيبة لا يحتملها وطن, الحرب أخذت منحى العبثية جعلت الوطن مرتع لطفيليات الشر والمؤامرات والدسائس, مصدر رزق لتجار الحروب والفساد والنفوذ, وجدت فيها الأطماع مرتزقتها يقدمون خدماتهم ببخس الأثمان, فتشكل لوبي مصالح يعيق مسار استعادة الدولة وترسيخ مؤسساتها, يتصدر المشهد اليوم كل ما هو سيئ إلى ما هو أسوء, فتكالب السوء والرداءة معا لتقويض مسار الدولة وعقاب المواطن وتعكير صفو الوطن.
عبثية الحرب, لم تسلم منها المناطق التي تحت سلطة الانقلاب, ولم تصلح حال المناطق المحررة, ماذا يحدثنا اليوم واقع صنعاء, وهي تحت عنجهية وسطوة الفكر الطائفي والحق الإلهي المزعوم, لم تعد تتحمل مسيرة الموت اليومية باسم القران, لم تعد تحتمل معاقبة المواطن في معاشه ومعيشته والتصنيف الطائفي والتمايز بين البشر, أين هي صنعاء التي حوت كل فن وكل ذوق وكل فكر وكل عرق, أين هي صنعاء عاصمة اليمنيين والجمهورية والثورة والحرية والمساواة والمواطنة, أين ذلك التنوع والإبداع والإرث الجميل, بساطة احتياج صنعاء اليوم, دبة غاز أو حزمة حطب, أو لقمة تشبع الجياع الذين يملئون الشوارع, والمتعففين في منازلهم, بساطة كشفت ضعف وهزل الانقلاب.
وفي الطرف الأخر واقع عدن أو تعز والمناطق المحررة, لا يختلف كثيرا, اغتيالات والمداهمات, وحالة العسكرة الطاغية على الشارع العام, أضرارها فاقت فوائدها, لم تستطيع أن تهيئ هذه المناطق وتقدمها مثال يحتذى به, غير شتات امني, وعقيدة غير وطنية, كثر فيها الأمراء, وتعدد الولاء, وعدنا للوبي المصالح والفساد، المعيق للدولة والنظام والقانون والحق.
حربا تُخطئ أكثر مما تصيب, تدمر أكثر مما تحفظ ما تبقى, حربا تستهدف البنية التحتية, والإنسان فكره وقيمه وإنسانيته وروحه, تستهدف روح الحياة العامة واستقرارها, ما لم يدمر بالقصف الأرضي والجوي مع كثرة الأخطاء, يدمر بعد التحرير, بالبسط والاستحواذ, الانتقام والأحقاد والخصومة الفاجرة, ليتحول رفاق الجبهات, لأعداء ينهشون بعض, فتبدأ المداهمات ليلا وزوار الفجر, وتمتلئ السجون, تبدأ روائح نتانة الانتهاكات تفوح, ويبدأ التفسخ الأخلاقي والقيمي واغتصاب الأرض والعرض, بعذر مستورد لمحاربة الإرهاب بالإرهاب.
كفى حربا, لم تنفع الجنوب ولا الشمال, لا التحالف ولا الشرعية ولا الانقلاب, تنفع كل شيطان بينهما, وكل طامع لهذه الأرض وخيراتها وملكاتها, كل من لا يريد لنا أن ننهض, ونرتقي وعيا ونعيش كسائر الأمم الإنسانية لنكن جديرين بالاحترام, لا جديرين بالشفقة, وعي نتاج العلم والثقافة معزز بالمعاناة والألم و أوجاع وطن تجارب مريرة تصنع مننا بشر لا وحوش.
حربا وقودها شباب في مقتبل العمر طموح شغوف بالحياة والحرية والسيادة والإرادة, وضحاياها البسطاء, حربا تقدم كل يوم فاجعة موت أخيارنا التي يصعب على الوطن تعويضهم, أم الشياطين كلما سقط منهم شيطان فالكهف ينتج مزيدا من الشياطين, بكل سهولة قتل الصماد واستبدل بالمشاط, كم نحتاج من الوقت ليصطاد التحالف رأس الأفعى, وكم علينا أن تحمل من الأخطاء في الإحداثيات, كم حفلة زواج أو تجمع عزاء أو حي سكني ومحطة وقود ومستشفى وسوق شعبي, كم من الأبرياء والخراب لننتصر على هذه الشرذمة, وعقيدة الكهف تنتج لنا المزيد من الواهمين , عقيدة لها أكثر من رأس, وجسدها يستفحل ويرسخ في عقول وأذهان الجهلة في تغيير المناهج والثقافة والفكر, وكل يوم يمر يستقطبون المزيد, هل سنبيدهم من الوجود, كفى حرب لنوقف هذا العبث واستفحال تلك العقيدة لتجنيب الوطن المزيد من الدماء, ولم نجد مثالا طيبا في التحرير يجعلنا نتفاءل بالأمل من الخرب, مثال يبعدنا من الإحباط والتشاؤم, لنرى دولة تؤسس ومؤسسات ترسخ على ارض الواقع , ورئيسنا الشرعي وحكومته يمارسا مهامهم على الأرض دون معوقات ومنغصات , دولة ضامنة للمواطنة والحريات والعدالة, برهنوا لنا ذلك لنصمد أو كفى حربا عبثية .