من اوراق المدينة.. عن أحلام تعز التي يقتلها الإخوان
في كل مرة كانت تعز تحاول أن تقدم نموذجا سياسيا كان أو ثقافيا أو حتى فعلًا مقاوما ،
منذ ثورة 26سبتمبر الى اليوم كان الإخوان المسلمين يقتلون ذلك النموذج.
لم استغرب تصريحات العديني منذ فترة حين قال في حديثٍ مسجل “لقد قامت جماعة الإخوان ضد ثورة 26سبتمبر”، وهو ماعمل عليه المخلافي المرشد الاول في اليمن، استطيع القول أن العديني قد يكون أصدق من في الإخوان في اليمن، ويتجلئ ذلك بدفاعه عن مسلماته بوضوح، بعيداً عن مخاتلات الإخوان وتلونهم باقنعة مختلفة.
مؤيدات تاريخية عديدة تؤصل بان الإخوان المسلمين في اليمن ضد الحلم الثوري، وضد كيان الدولة الوليدة التي حلم بها شعب تجرع الفقر والمرض والجهل، فانتفض حالما بفجر جديد عبر عنه البردوني بقوله “افقنا على فجر يوم صبي سلبنا الدجى ضوءه المختبئ”.
لم يتوقف الإخوان عند ثورة سبتمبر التي لم يكونوا من أنصارها كونهم كانوا من أنصار الملكية الدستورية برداء الخلافة المصغر، وشارك مبعوث حسن البناء لليمن الفضيل الورتلاني ببعض أدبيات حركة 48 الدستورية، التي كتب لها الفشل باكرا.
وبعد ثورة سبتمبر استمر الإخوان المسلمين باجهاض كل حلم وتطلع لأي أفق مدني أو أي مشروع ينهض بالأمة اليمنية، لاسيما في الشمال، حيث مساحات عملهم في جنوب اليمن كانت محدودة لأسباب كثيرة،
وفي السبعينات حاولت تعز أن ترسم مساراً مدنيا لمدينة تعشق الفن والحب وكان ابن تعز البار احمد عبده سعيد، قد أخذ على عاتقه إنشاء متنزة تعز والسينما وحديقة الحوبان ومدرسة محمد على عثمان، كحلم راوده، ومجموعة من تجار ورجالات تعز؛ بأن يؤسسو منابر إشعاع وتنوير نوعي، في مدينةٍ حالمة املها أن تكون نموذج في هذا الإتجاه المدني والثقافي، وبالفعل استطاعوا عمل البصمات الأولى لذلك الحلم والطموح، وفي المقابل كان الإخوان المسلمين لهذا المشروع بالمرصاد مكرا وتحريضا وتكفيرا، وحركوا كل أدواتهم الماكرة وأصواتهم باسم الدين ورعايته والحفاظ عليه، حيث اطلقو العديد من الإشاعات منها تلك التي على مدرسة محمد على عثمان، بانها تدرس المسيحية، وعلى احمد عبده سعيد أنه ماسوني.
هذا الاستعداء لم يكن سوى حلقه متتاليه نحاول خذ نماذج لها من عشرات القصص التي معظمها موثق وبعضها لايزال في ذاكرة رفاق عايشوا تلك المرحلة، وليس هنا مجال لسرد كل التفاصيل على كثرتها وقد نفعل في مناسبة أخرى.
كانت تعز عند قيام الوحدة تحاول أن تكون مرتكز الفعل السياسي، في حينها الإخوان في الضفه الاخرى يمسكون بتلابيب المحافظة، ويصرخون باسمها؛ لا لا للدستور، كان الزنداني يتجول من مسجد الى اخر يهيج الجماهير، وترئ الحشود تخرج كقطيع هائج لا يعلم إلى أين يساق؛ و لا لماذا تعارض دستور لم تقراءه.
وتوالت منهجية الإخوان في قتل وكتم اي صوت يدعو لصنع نموذجا خاص بهذه المدينة الحالمه دون جدوى .
وبعد قيام الوحدة شكل بعض نخبها فعلا سياسيا نوعيا، تَمثل في الموتمر الجماهيري ،وكانت ادوات الإخوان تفتك به قبل ادوات النظام.
وحتى على الصعيد الثقافي كانت الاصوات الحره كعبد الحبيب سالم ،وغيره هدفا يوميا لمؤامرات المقر، واوامر المرشد الصغير ، حتى أنهم لم يتحملوا ملحق ثقافي كالثقافيه بعد سنوات من محاربة احلام تعز البسيطه في تقديم نموذج ما في مجال ما .
وجاء شوقي هائل محافظا لتعز يحمل حلما ما، ومشروع لمدينة تستطيع أن تحاكي دبي وتتفوق، كيف لا وهي تملك البحر والجبل والوادي، الميناء الذي يمكن أن يكون نوعيا كالمخاء، والجبل الذي يمكن أن يحول الى منتجع سياحي كبير بامتياز كجبل صبر، والوادي الذي يمكن أن يأتي بخيراته العظيمة، والرجال والمال والمدينة، وقبل ذلك الحلم والطموح والعمل والحماس والاقدام،
لم يمهل الاخوان شوقي هائل فترة طويلة، فقد خرجوا إلى الشارع يقدحوا بالرجل بكل نقيصة و بالفاظ سوقيه، وحركوا كل ادواتهم لقتل الحلم، والمشروع في بداياته، والتي كانت تعز على موعد مع بعض مفرداته،
إقامة مشروع التحلية في المخاء، وتوسيع مطار تعز وبناء ميناء نوعي، صاحبَ ذلك اهتماما نوعي بالجانب الأمني والخدمي، وتعز عاصمة الثقافه… الخ، أجهض الإخوان هذا الحلم ايضا.
وعلى غير موعد اوقعنا الحوثي في كارثة تاريخية استوجبت من تعز، وهي المدينة المدنية أن تخوض فعلاً مقاوما سلميا متدرجا ليصل للمقاومة المسلحة،
وكادت تعز أن تقدم نموذج في المقاومة، لكنهم وبكل حماقة افسدوا النموذج المقاوم، لاسيما في المدينة، وحولوه الى تجارة حرب ونهب واستعداء وسجون، وقدموا أنفسهم أنهم تعز بأبشع صورة وتخلصوا من أي مقاوم أو ناشط ينقد الاعوجاج، كما تخلصوا من أي محافظ يحاول إعادة شي من شكل الدولة، كما حصل مع المحافظ أمين محمود ،
وتعدى الأمر لإرهاب كل الناشطين والسياسيين، وكل من يحاول أن يرصد وجع المدينة الكبير واحلامها المتوالية التي ذكرنا اليسير منها على سبيل المثال، لا الحصر لجماعة تقتل الاحلام وتزرع اليوم صنوف من الأحقاد على مستوى الأحزاب السياسية والمناطق المختلفة ،وتاجج العدوات وتزرع الضغائن وتؤسس لثارات وجروح تضرب في عمق وجدان أبناء تعز، سنعاني منها لسنوات طويلة قادمة.
انها جماعة كما وصفها الاديب طه حسين حين قال ” الإخوان جماعة من زمن الخوارج وقبضة من نيران الحروب يخالفون الطبيعة الوديعة ويعملون على نشر القتل ويقتلون كل حلم”.
تبقى تعز خاصة واليمن عامة، بأحلام مؤجله ومستحيله، مالم يقوض نفوذ الجماعات الدينية وفي طليعتهم الإخوان؛ فهي امهم جميعا ومدرستهم الاولى مهما تلونوا وقدموا انفسهم بنسخه سياسية كحزب الإصلاح ؛فاستراجيتهم اخفاء كيانهم المسلح واجنحتهم السريه للعمل من تحت الطاولات، ومالم يتم تضييق مساحات وجود هذه الجماعات، ستبقى اليمن تتخبط في دوائر الفوضى والصراعات المتلاحقة.