الخبر عادي في ظاهره، عميق الدلالة في أغواره.
فأن يوجه رئيس الدولة بتخصيص أرض لإنشاء مبنى لجهاز حكومي لا يعد خبراً بالأصل، لكن أمر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بتخصيص أرض لإقامة مبنى للمخابرات العامة في مرسى مطروح اعتبر خبراً نشرته الصحف خارج مصر، حيث تعد مرسى مطروح آخر محافظة على الحدود الغربية لمصر، والخطر قادم من هناك، حيث «الإخوان المسلمون» يتربصون ومن ورائهم دول وأجهزة استخبارات، ومنظمات دولية مشبوهة.
يستلفت الانتباه هنا أن حركة «الإخوان» لا تمثل تهديداً للسلطة فقط، كما هو حال الأحزاب السياسية التي تسعى إلى الحكم بالوسائل الديمقراطية، أو بالقوة، سواء أكانت عبر الانقلابات العسكرية، أم بالثورة الشعبية، أم من خلال حرب العصابات.
في هذه التجارب وغيرها، تسعى الأحزاب إلى السلطة وفي ذهنها أن توظفها لتنفيذ سياسات، وتحقيق أهداف تنبع من توجهات اجتماعية، أو قومية، وحتى أممية، لكن الحفاظ على الدولة وتقوية مؤسساتها يبقى الهدف الأول، بما يترتب عليه من الدفاع عن سيادتها، واستقرارها، وسلامة أراضيها.
لننظر إلى «الإخوان المسلمين» وقد بدأت حركة للدعوة الدينية، ثم بدأت تكشف عن وجهها السياسي، وكان وجهاً قبيحاً، فهي مع الدكتاتور إسماعيل صدقي ضد الوفد، والحركة الوطنية، وبعدها راحت تنغمس في أعمال العنف باغتيال الخازندار، وأحمد ماهر باشا، والنقراشي باشا، حتى محاولة اغتيال جمال عبد الناصر، وقبل ذلك إحراق القاهرة في 26 يناير/ كانون الثاني 1952 الذي لم يتكشف أنها كانت وراءه إلا في وقت متأخر، ورغم ذلك، بقي تصنيفها في أذهان الناس أنها تسعى إلى السلطة بالطرق العنيفة، ولم يذهب التفكير إلى أنها تعادي مصر، وليس السياسيين، أو الحكام، حتى حين استبسلت لإفشال المفاوضات مع الإنجليز من أجل إجلاء القاعدة البريطانية في السويس بالتكامل مع دور للمخابرات «الاسرائيلية» في التفجيرات المعروفة سنة 1954.
بعد ذلك، جاء شاهد فصيح آخر هو مؤامرة سنة 1965، وفي مذكراته قال علي عشماوي، الذي كان ضمن المجموعة المكلفة بتنفيذ المؤامرة، أن سيد قطب لم يخبرهم ما الذي سيكون بعد اغتيال رئيس الجمهورية، ونوابه، ورئيس حكومته، وتفجير جسور القاهرة، ومحطات الكهرباء، والسنترال، والقناطر الخيرية، بما يستنتج منه أن التخريب كان مقصوداً لذاته.
على أن هناك واقعة حدثت قبل كشف المؤامرة تستحق التأمل، فقد رفعت التقارير إلى مكتب الرئيس عن الاشتباه في تحركات مريبة بواسطة التنظيم الطليعي، فوجه مخابرات أمن الدولة للتحري، ولم تعثر على دليل، وتكرر التحذير، وتكرر النفي، وأمر الرئيس مدير المخابرات العامة صلاح نصر، فاعتذر لأن الجهاز الذي يرأسه معني بالنشاط الخارجي، أي مكافحة التجسس، والتجسس المضاد، وليس من مسؤوليته ملاحقة الأحزاب السياسية التي يتولاها أمن الدولة، فاضطر جمال عبد الناصر إلى إحالة الأمر إلى وزير الحربية لإسناد المهمة للمخابرات الحربية.
ورغم الأهوال التي تكشفت؛ فقد بقيت أنشطة «الإخوان» بعيدة عن أنف، وعيون، وأيدي المخابرات العامة.
وتبدلت النظرة الآن، بعد أن تأكد على وجه اليقين أن الجماعة تعمل على هدم الدولة، وتدمير المجتمع، وتخريب الوطن، وهي كذلك في مصر، وخارجها.
ويوم كانت في الحكم لم تتردد عن محاصرة المحكمة الدستورية، ومحاولة إحراق مدينة الإنتاج الإعلامي، وقتل المحتجين سلمياً، أمام قصر الاتحادية.
ولذلك سرعان ما تداعى الشباب إلى الدعوة للخروج في 30 يونيو/ حزيران 2013 لإسقاط حكم المرشد، وكان رد «الإخوان» صاعقاً حتى صرخ أحدهم أن من يرشه بالماء سوف يرشه بالنار، وبدا أن مصر مقبلة على مذبحة كبيرة لولا يقظة الجيش.
لقد أحرق «الإخوان» الكنائس، ومديرية الأمن، وأقسام الشرطة، وذبحوا الضباط، والجنود، ومزقوا أجسادهم، وتبين من ردة فعلهم زيف ما كرروه خلال خمسة عقود بأنهم يمثلون الاعتدال في الحركات الإسلامية، وأن الحقيقة أن التنظيمات المتطرفة إنما ترضع من الجماعة الأم.
اهتمام مصر بتواجد المخابرات العامة في مكاتب وموظفين في أطراف مصر، يومئ إلى أنه بات واضحاً لدى المصريين، وبالتأكيد لدى بلدان عربية أخرى، أن التنبه لخطر «الإخوان» لم يعد مسؤولية الجهاز المسؤول عن حماية الدولة، بل مسؤولية كل أجهزة الدولة المعنية بالأمن القومي، وللأسف أن بعض العرب لا يدركون في هذه اللحظة التاريخية العصيبة أنهم أمام جحافل مغول جديدة، سواء أكان هولاكو الثاني هو المرشد، أم أياً من الذين يحركونه من وراء المسرح.
وربما لا يكون أردوغان هو هذا القائد المغولي الجديد، ومن المهزلة في القول إنه أمير قطر، فمن يكون هولاكو المختبئ الذي لا يريد للعرب أن يستيقظوا، وينهضوا، بل وأن يغرقوا في البحر، أو يتوهوا في الصحراء؟
* نقلاً عن صحيفة الخليج الإماراتية