بتواطؤ من المندوب الأممي الأسبق “جمال بن عمر”، أُجريت تعديلات على المبادرة الخليجية قبل توقيعها، عَطَّلت المؤسسات الدستورية، واختزلت شرعيتها في شخص عبدربه منصور هادي بشحمه ولحمه، فأتاحت له التوجيه بإجراء حوار منفلت مع أعداء الجمهورية اليمنية، دون ضوابط تحمي ثوابتها الوطنية، مُقابل تطويل فترة رئاسته.
هُنالك، عمِل على تسخير السُلطتين التشريعية والتنفيذية؛ ليُمرر عبرهما ما يُملى عليه؛ فصارت قرارات مجلسي النواب والوزراء تحت هيمنته.. وتعامل مع أعضائهما كأنّهم تلاميذ ابتدائية يفرض عليهم ما يريد، تارة بالتوافق لأجل الحفاظ على شرعيته، وأخرى برفعها إليه لترجيح ما يراه مناسباً. كما أقحم تلك المبادرة في كل ما يصدرُ عنه من قول أو فعل.. واستخدمها هراوة يُلوح بها في وجه كل من ينتقده، حتى ظن اليمنيون أنّه يستفتح بها صلاته ونُسكه وشؤون حياته كُلها.
لذا، لفت انتباهي الأسبوع الماضي تعَمُّد (دولته)، على غير العادة، تجاهل ذكر تلك المُبادرة، والاستعاضة عنها بدستور الجمهورية اليمنية، والبرلمان المنتخب، والقوانين التي سبق أن داس عليها وكأنها لم تكن؛ فأوعز للحكومة والخلية التي شكّلها لمعالجة أزمته مع الانتقالي الجنوبي بضرورة الاحتكام لها!
وذلك ليس صحوة عقل أو ضمير، وإنما ورقة جديدة يتلاعب بها للضغط على السعودية، التي تبنت المبادرة وفرضتها على مجلس التعاون الخليجي، لعلها تبقيه لفترة إضافية.. بعد أن صار خروجه من السُلطة محل إجماع شعبي، وبداية لخارطة طريق للمرحلة القادمة.
من المُفارقات أنّه استيقظ من سُباته العميق داخل قصره في الرياض، فور إحساسه باقتراب نهاية حُكمه، فدفع ألوية حمايته التي شكلها من أبناء محافظته وبقيادة نجله؛ لتقاتل ألوية الدعم والإسناد والحزام الأمني، وتفرض بقاءه بقوة المنطقة والقبيلة، وكُل تلك الألوية دون استثناء أُسِّست بقرارات منه باسم المبادرة الخليجية. وشاء القدر أن يفضحه ويلصق به ما وصف به جيش الجمهورية اليمنية، بعد انتهائه من هيكلته، حين قال: (كان جيشاً يحمي الحاكم، والآن أوجدنا جيشاً يحمي الدولة).. فأضاع الدولة، وعجز عن حماية شرعيته المزعومة، رُغم أنّه أنشأ 5 ألوية للحماية الرئاسية، وكان لدى صالح لواء واحد فقط للحرس الخاص.
وما يفعله اليوم في الجنوب مُغاير تماماً لقراره حينما دخل الحوثيون إلى صنعاء، ومنها إلى بيته.
كان قد بعث وزير دفاعه لاستقبالهم من مشارف عمران.. وتسهيل دخولهم إلى العاصمة.. ثمّ خضع لهم في اتفاق السلم والشراكة، وسلّمهم مفاصل السُلطة.. وأهم المعسكرات، وفقاً لصفقة رعاها جمال بن عُمر، ثمنها تمديد رئاسته قبل أن توشك على الانتهاء، لأنّ المجتمع الدولي كان قد منحه سنة إضافية بعد انتهاء فترته المنصوص عليها في المبادرة الخليجية.. ليعمل خلالها على تنفيذ مُخرجات الحوار.
غير أنّ الحوثي انقلب عليه، وفتح أمامه منافذ الهروب إلى عدن؛ ليكمل خطته في الإجهاز على اليمن باسم الشرعية، التي اختزلها في شخصه، وربط التدخل العربي لدول التحالف به، ليصبح الحفاظ عليه محافظة على الشرعية المزعومة.
وهكذا نقل الدنبوع اليمن من جمهورية علي عبدالله صالح التي كانت من صنعاء، إلى حضرموت، إلى سلطنة الفضلي.. التي سقطت منه أيضاً قبل يومين.
هذا هو على حقيقته.. والذين يُعلنون بعد 5 سنوات من التطبيل في جوقة الرئيس البليد، أن ما يشهده اليمن اليوم مفاجئ وصادم لم يخطر لهم على بال، هم أسوأ ما بُليت به اليمن في تاريخها القديم والحديث، والأفضل أن يخرسوا وينصحوا دنبوعهم العظيم بالرحيل. لعلّ وعسى أن تجد اليمن قائداً بحجمها يخرجها إلى بر الأمان.