الجنوب.. قضية ستصل إلى غاياتها فلا تستهينوا به
نفس النظرة المستهترة بالجنوب ونضالاته وقضيته التي تسود المنصات الإعلامية والسياسية هذه الأيام، من قبل جماعات الدين ومراكز القوى والمتنفذين شمالاً وجنوباً، كانت بنفس الشكل ونفس الوسائل والأدوات منذ عشرين عاماً، تقريباً، حيث كانت مراكز القوى والنفوذ تستهين بالذين خرجوا في الجنوب يعارضون ويطرحون مطالب حقوقية، ومع تبلور حركة الحراك كان سلاح السخرية من هذا الحراك أحد الوسائل التي أثبتت الأيام فشلها، ومضت الحركة وأصبحت قضية تحمل مشروعاً بدأت بثلاثين فرداً، وتوسعت إلى الملايين. ثم أصبح لها مزاج عام ثم حامل سياسي وقادة ثم قوة.
أجزم أن هذه القضية ستصل إلى غاياتها مهما تعثرت يوماً أو بعض يوم في شبوة أو في غيرها، إنها طبيعة النضال الذي لن تكون دروبه سالكة، بل شائكة تحتاج للكثير من الجهد والوقت أحاول وأنا أقرأ القضية الجنوبية أن أستخدم عقلي وعاطفتي معاً، ماذا لو كنت جنوبياً، أين سيكون موقفي؟ فأجده مع المزاج العام الجنوبي.
ثم أضع السؤال بطريقة أخرى ماذا لو كانت هذه الحركة بما تملك من مفردات القوة والمظلومية قضية تعزية في محافظتي التي أنتمي إليها؟ وأجد نفسي لن أكون إلا في محل ما يفعله الجنوبيون.
دعونا نعِد سرد الأحداث بعد أربع سنوات من الحرب في الشمال استطاع الجنوب التحرر سريعا وانتقل إلى طور البناء والتأسيس والتعافي، وكانت مدن الجنوب مستقرة آمنو للجميع.
هذا الاستقرار ربما لم يرق للمتنفذين فعملوا على إشعال الجنوب بالحرب ثانية كي يصبح هو محور الحدث، بينما تغط جبهات الشمال في نوم عميق ويعزز الحوثي مكاسبه على الأرض ويؤسس لوقائع جديدة لن تستطيع الشرعية ولا التحالف إزاحتها.
خسر الشمال الكثير خلال سنوات الحرب، لكن الجنوب حقق مكاسب كبيرة رغم بعض الخسائر العابرة. وتحويله حاليا لساحات مواجهة سيفقد الشرعية الجنوب بعد فقدانها الشمال.
الجنوب اليوم شعب له قوة حاضرة ساندة ضحت وحررت الجنوب، استطاعت في أسبوع تأمين عدن أبين وقبلها الضالع لحج.
ويمكن هنا الحديث هل كان توقيت الذهاب مناسبا أو تعجلا إلى شبوة؟
ونتفق أو نختلف على ذلك، ما هو مستقر الآن أن معركة شبوة مؤجلة لبعض الوقت، ما لم تحل على طاولة الحوار حلا مرضيا ومعقولا.
ليس من الحكمة الاستهانة بحجم الجنوب وبقواته التي يمكن أن تعود من الساحل الغربي والشمال عموما في اي وقت لتضيف رصيدا إضافيا وتعزز وقائع جديدة.
الجلوس مع المجلس الانتقالي هو الحل الأمثل والاعتراف بحق الجنوبيين بتقرير مصيرهم وفق آليات يمكن الحوار عليها هو الأصل، ما لم يتم ذلك فإن هذه الحركة التي عمرها عشرين عاما ستستمر بقوة أكبر وعنفوان لن يوقفه شيء.
وسنكرر أخطاء الوحدة وأخطاء حرب 94 بصورة أخرى.
وستتحول الجنوب بعد استقرار السنوات الأخيرة إلى ساحة حرب ضارية ستجعل الحوثي يستعيد ما فقده شمالا ويمكن جنوبا أيضا.
إن تحويل الجنوب والانتقالي للخصم الذي يمكن الخلاص منه أمر ساذج ومستحيل وانتحار للشرعية شمالا وجنوبا.. سيلتف معظم الجنوب مع قيادته على الأرض ويخوض معركة جديدة، وكما تخلص من الحوثي يستخلص من خصومه الجدد، وستصل قضيته إلى منتهاها يوماً ما.
فالقضية التي بدأت بثلاثين فرداً وأصبحت بهذا الحجم ليس لها إلا أن تنتصر في النهاية. وقادم السنوات سيتضح هذا لمن لا يعقلون.
أعلم أن هكذا مقالا سيعلن عليّ حرباً جديدة/ قديمة، وستنهال التهم بالعمالة وغيرها من مفردات الجماعات وسفهائها.. هذا أيضا لا يهمني كثيراً.
فقط للتوضيح أنا لست مؤمناً بالسعودية ولا الإمارات ولا قطر ولا غيرها، ولا تربطني بأي منهم صلة، ولا أثق بهم. لكني أثق بالجنوب وشعبه وقضيته ونضاله وأتحيز له ولا أغفل عن أي سلبيات له، فبوسعي ذكرها ونقدها أيضا.
وأجد أن تعز بحاجة أن تسلك طريقا مشابها في النضال ويكون لها مزاج عام وحامل سياسي ومشروع وقضية.. لأن الحديث عن المشروع الجامع السابق اليوم أصبح ضربا من الحمق.
لابد من البحث من جديد مع الاعتراف لما استجد من وقائع.. لما يصلح لنا في الشمال وما يصلح للجنوب دون القفز على وقائع الأرض.
وهذا هو شأن السياسة التي تتقلب في كل عصر.. وشأن الحروب التي تفرز وقائع جديدة.
والأيام والسنوات القادمة ستثبت ما أقول، وإن ثبت العكس سأكون مديناً للمحبين والقراء وغيرهم باعتذار علني مكتوب مسموع.. وأنا بذلك زعيم.