مغامرة (الإخوان) نحو الجنوب قلبت المزاج الشعبي لصالح (الانتقالي)

 


ما ظنه الكثيرون مغامرة سهلة في عدن، سوف ينتهي بمكاسب كبيرة للمجلس الانتقالي في أبين.. وقد يعيد المجلس خارطة نفوذه القديم ويوسعها أكثر في المناطق التي كانت بالأمس محظورة سعودياً.


كان بوسع الشرعية الاكتفاء بنقلة شبوة وفتح حوار جدي يفضي إلى ترميم بنيتها المعجونة بالفساد والإقصاء.. لكن غرور القوة المأربية أغراها بتفجير معركة غير عاقلة وغير متكافئة، سلاحها الوحيد فيها البربجندا والفوضى.


قد يرفض الكثيرون تصعيد الانتقالي إثر موقعة اليمامة، وكذلك الممارسات التعسفية من بعض الأفراد المحسوبين عليه بحق البسطاء من أبناء المناطق الشمالية.. وكل هذه تحفظات مبررة وتستحق النقد والنقاش، وكانت حتى الأمس قابلة للمعالجة.


لكن ما يغفله كثيرون أن قوات الانتقالي لا تكتسب نفوذها السياسي جنوبا بالقوة العارية أو دعم الإمارات، بل هي تمثل مصلحة حقيقية لجميع المواطنين.


بالأمس تبرم المزاج العام في عدن من سلوك الانتقالي التصعيدي إثر ما تخلله من أخطاء، واليوم انحاز كلية لقواته التي جسدت سلوك ومنطق الدولة، بينما الطرف الآخر لم يتحمل مسؤولية فتح معركة حقيقية واكتفى بإثارة الفوضى وتضليل الإعلام وتنشيط الأدوات المارقة.


كان لافتاً كيف أن الساحة الجنوبية لم تشهد تحشيداً سياسياً وعسكرياً حاداً عقب أحداث شبوة الأخيرة، وقادت هزيمة الانتقالي هناك إلى فتح حوار داخلي لمراجعة الأداء السياسي للمجلس؛ على أن تستعيد النخبة موقعها الطبيعي في شبوة مقابل أن تستعيد الحماية الرئاسية معسكراتها في عدن، وذلك في ظل تسوية شاملة ترعاها دول التحالف العربي.


وقد أفضى هذا النقاش إلى اعتراف عيدروس بالهزيمة وتحمله مسؤوليتها الكاملة مع الالتزام بإجراءات التهدئة.


ثم خلال بضع ساعات فقط تحولت بوصلة التأييد الشعبي في عدن وبقية المحافظات الجنوبية لتناصر قوات المجلس الانتقالي على إثر الوعيد الإصلاحي واقتراب جيش مأرب من حدود العاصمة، وعادت حدة الاستقطاب “الجنوبي- الشمالي” إلى ذروتها على نحو قد يتعذر تدارك تداعياته مستقبلا.


والأخطر هو أن الاستقطاب “الجنوبي – الجنوبي” يبلغ ذروته أيضا.


وقد حاول الانتقالي تحييد الآثار السلبية لجولته التصعيدية الأولى وإشاعة خطاب تصالحي مع كل جنوبيي الشرعية، بالطبع مع وجود انتهاكات متفرقة لا تعبر عن سياسة ممنهحة.


واليوم سيؤول المشهد الجنوبي نحو تعميق أكبر للجروح، لا سيما إذا تدحرجت الأحداث على نحو درامتيكي نحو أبين وتكرست معها نكسة الشرعية هناك.. وقررت نخبتها الحاكمة مواجهة الانتقالي بثنائية “طغمة-زمرة”، بعد أن أثبتت ثنائية “شرعية-تمرد” تهافتها وفشلها وابتعادها عن الواقع.


بالطبع فإن حزب الإصلاح لا يهمه كل ما سيحدث، فقد ظل يحضر سياسياً ويدخر أسلحته المجمدة في جبهات الحوثي للوصول إلى هذه اللحظة؛ تارة للدفاع عن الوحدة المقرونة في مخياله مع مفردة “الموت” وتارة أخرى “لإنهاء الوجود الإماراتي” في اليمن.


والأكيد أن هذه النزعة “التحررية-الوحدوية” مبعثها الحقيقي ثروات الجنوب الاقتصادية وغيرة الحزب السياسية من وجود لاعب مكافئ له، ولا علاقة لها بمصالح اليمنيين جنوباً أو شمالاً.


اما الرئيس هادي فسيظل يساير الوضع إلى أن تتضح كفة المنتصر، فإما أن يعيد تموضعه مع “جنوبيي المعارضة” أو يواصل تحالفه مع محتكري الشرعية؛ هكذا أدار تحالفه مع صالح ثم الإصلاح ثم الحوثي ثم الحراك.


لم يختلف مطلب الانتقالي في جوهره عن مطالب بقية القوى السياسية (اشتراكي، ناصري، مؤتمر) بضرورة إصلاح الشرعية، وإنما اختلف في حدة التعبير عنه إذ أراد فرضه بالقوة بعد تعذره بالسياسة، بينما لم تيأس الأحزاب من مناصحة الحاكم كي يصحو ضميره دون أن تأخذ أي موقف احتجاجي جاد.


الخلاصة أنه منذ شعار “قادمون يا صنعاء” وحتى ضجيج “عائدون يا عدن”؛ والشرعية تأبى التعلم من أخطائها وتعتقد أن الحملات الإعلامية والرطانة الخطابية كافية لتحقيق النصر أو ادعاء الحق بالحكم.. وأما استشراسها غير المتوقع في الجنوب فغايته الرئيسية لم تكن “استعادة عدن إلى حضن الدولة” بل تعطيل الممكنات السياسية لبناء الدولة، وإجهاض جهود التهدئة ومسار التسوية بعد ما أبداه الجانب السعودي من ليونة تجاه اللاعبين الجدد، والتعمية على جوهر الأزمة المتعلق باختلال قواعد الشراكة السياسية بين من “يحكم” ومن “يحارب”.


 


 


 


 

Exit mobile version