سبتمبر وأكتوبر.. بين معركة الهوية الوطنية واتخاذهما شعاراً مخادعاً!
في حقيقة الأمر إن كل ما أنتجه الواقع اليوم من الانهيارات المختلفة، والتشظي والصراعات الجزئية المعقدة، وتناقضاتها وتحولاتها؛ كل ذلك يعود للبدايات الأولى لمسارات الاختلالات والانحرافات في مسار ثورتي سبتمبر وأكتوبر، وما أنتج هذا من تراكمات للأخطاء في المسار الوطني العام. فهذا هو ما أسس وأنتج هذا الواقع المرير، بكل حروبه ومآسيه، وبكل تشابكاته وتعقيداته، وانسداد الأفق السياسي العام.
وبالرغم من ظهور مشروعي التصحيح والإصلاح الثوري داخل هاتين الثورتين، وحققا نجاحا كبيرا، تجلى بشكل وطني تاريخي لا يمكن أن يمحى أو ينسى في الذاكرة والوجدان الشعبي والسياسي.. إلا أن هناك تجاهلا وتعاميا مقصودا أو غير مقصود، للبحث الموضوعي عن كيف تم إجهاض هذه المشاربع، وعن تراكمات الأخطاء والتعقيدات التي أدت إلى هذا.
ويخطئ الجميع بالنظر إلى هذا كمراحل من الصراع السياسي فقط، واتخاذ صراع هذه المراحل باباً للمكايدات والاتهامات السياسية وحسب، ويظل التمسك بالجانب الثوري الشكلي والتقليدي وشعاراته الزائفه، دون إعادة الروح والحياة للفكر الثوري؛ وهذا ما أنتج انحدارا مستمرا وتخلفا بالفكر السياسي والخطاب الوطني.
وبالتالي فإن هذا يفرض علينا اليوم إعادة التأمل والقراءة والمراجعة، كيف تشكلت وتطورت الانحرافات في مسار هذه الثورات، حتى تمكنت هذه الأخطاء والتعقيدات من وأد وإجهاض مشروعي التصحيح الثوري في عمق الثورتين العظيمتين (سبتمبر، وأكتوبر)؛ وذلك لكي تتبلور وتتسع الرؤية الوطنية العامة، في مواجهة تحديات الحاضر، والبعد عن تكرار نفس الأخطاء والتجارب التي قادت إلى هذا الواقع اليوم، بالتأكد من سلامة وصحة آلياتنا وأفكارنا اليوم بعيداً عن التمسك بالجانب الشكلي، بينما في الواقع يتم ممارسة نفس الأخطاء السابقة، ولكن بطرق وأساليب جديدة.
المعركة اليوم معركة مصيرية حقيقية.. في وعي تجارب الماضي ودروسها، وإعادة بلورة الهوية الوطنية، وتطوير الفكر السياسي؛ بناءً على إعادة فهم سبتمبر وأكتوبر ونقد الأخطاء والانحرافات، بعيداً عن جعل سبتمبر وأكتوبر مجرد شعار سياسي مخادع للاستهلاك في الخطاب السياسي والإعلامي، خصوصاً مع مرور ذكرى هذه الثورات.
لعشرات السنين يتردد هذا الخطاب الثوري التقليدي الميت، بكل وسائل الإعلام الرسمية وغير الرسمية، وخطابات المسؤولين وأحاديث النخب دون أن يثمر أي شيء إيجابي.
وبالتالي فالزعم بأن تطورات الأحداث في الخمسة الأعوام الأخيرة، أو ما هو أقل من ذلك بكثير، هو زعم كاذب لا أساس له من الصحة، ومجرد أوهام مخادعة ومكايدات سياسية لا أكثر.